
التمرد على الفطرة .. حين تُزَيَّنُ الرذيلة بثوب الحقوق !!
محمد سعد عبد اللطيف
كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية
حين تُقتل الفطرة باسم “الحقوق”
في زمنٍ اختلطت فيه المعايير، وصار الباطل يُروَّج له باسم الحرية، خرجت علينا فئة من البشر تصرخ في وجه العالم مطالبةً بما تسميه “حقوقًا للمثليين”، كأنها تدافع عن مظلومية أو عن قضية عادلة.
والحق أنهم لا يدافعون عن حقٍّ، بل يناهضون الفطرة، ويحاولون شرعنة الانحراف تحت لافتةٍ براقةٍ اسمها “حقوق الإنسان”، بينما هي في جوهرها جريمة ضد الإنسانية ذاتها.
فالإنسان حين يهبط من مقامه الذي كرّمه الله به إلى دركٍ أدنى من الحيوان، يفقد جوهر إنسانيته. فالحيوان لا يعرف الشذوذ، والطيور لا تنحرف عن طبيعتها، أما الإنسان حين يبدّل فطرته ويجعل من شهوته دينًا، فإنما يعيد نفسه إلى زمن الظلمات، حيث لا عقل ولا ضمير.
لقد أصبح الإعلام الغربي يُسوّق هذه الانحرافات وكأنها “تحضر” و”تمدن”، بينما هي في حقيقتها تآكل أخلاقي عميق، يضرب جذور القيم، ويهدم معنى الأسرة الذي كان أساس البقاء البشري منذ آدم عليه السلام.
وما يدّعون من حرية إنما هو عبودية للشهوة، وسقوط في هاوية النفس الأمارة.
وليس غريبًا أن تكون النتيجة لعنةً بيولوجيةً ضربت جسد البشرية كلها.
فمرض الإيدز الذي اجتاح العالم في ثمانينيات القرن الماضي لم يأتِ من فراغ، بل كان صفعة من الطبيعة على وجه الإنسان الذي ظن نفسه قادرًا على تجاوز القوانين الإلهية.
هو نذير من السماء بأن الفسق لا يُورِث إلا الهلاك، وأن العبث بالفطرة يحمل في طياته سُمّ الفناء.
ورغم تطور الطب والعلم، بقي هذا المرض عصيًا على الشفاء، كأنه شاهد على أن بعض الجِراح لا تلتئم إلا بالتوبة، وأن العلم مهما تطاول، لا يستطيع أن يموت يداوي ما أفسده الانحراف الأخلاقي. ولذلك نجد أن المجتمعات التي حافظت على قيمها الدينية والأخلاقية – رغم كل ما فيها من عثرات – أقل عرضة لتلك الأوبئة التي أزهقت أرواح الملايين. أما من فتحوا أبوابهم للانحراف تحت راية الحرية، فقد دفعوا الثمن من صحتهم، ومن مستقبل أجيالهم، ومن معنى الحياة ذاته.
إنّ أخطر ما في الأمر ليس المرض الجسدي فحسب، بل المرض القيمي الذي يجعل الإنسان يبرر القبح ويشرّعه، وينقلب فيه المنكر إلى شعار للمجد والتمدن. وهذه هي اللحظة التي تفقد فيها الأمم ملامحها، وتسقط من داخلها دون حاجة إلى عدوٍّ خارجي. لقد قالها القرآن العظيم بوضوح حين قصّ علينا خبر قوم لوط، أول من جاهروا بالفاحشة، فكان مصيرهم الخسف والعذاب. وما أشبه اليوم بالأمس، حين يتباهى قومٌ بالمعصية، وينادون بما يخالف سنن الله في الخلق.
إنّ الدفاع عن الفطرة اليوم هو دفاع عن الإنسان نفسه، عن معنى الخَلق، وعن قداسة العلاقة بين الرجل والمرأة، التي بها يستمر الوجود وتتجدد الحياة.
أما أولئك الذين يتحدثون عن “الحقوق” في هذا المجال، فهم في الحقيقة يطالبون بحق الموت البطيء، روحًا وجسدًا، ويجرّون البشرية إلى ظلامٍ روحيٍّ باسم التنوير.
الحرية بين الانفلات والفطرة
إنّ الحرية الحقيقية ليست في كسر القيود التي تحفظ كرامة الإنسان، بل في الانضباط بضوابط الخالق الذي وهبنا الحرية ليختبرنا بها، لا لنُهين بها أنفسنا.
فحين يلتزم الإنسان بالفطرة التي فطره الله عليها، يسمو بروحه فوق شهواته، ويجد سعادته في التوازن لا في الانفلات.
إنّ الإيمان ليس قيدًا كما يتوهم البعض، بل هو جسرٌ إلى الطمأنينة، ومرآة يرى فيها الإنسان وجهه كما أراده الله : مكرمًا، عفيفًا، نقيًّا.
فما أعظم أن يتحرر المرء من عبودية الهوى، وما أقدس أن يكون للإنسان ضوءٌ يَهْديه وسط هذا الظلام، اسمه الضمير والإيمان…!!.












