أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

لعنة العِقْدِ الثامن !!..

الدكتور/ محمد السعيد إدريس

mohamed.alsaid.idries@gmail.com

 

لعنة العِقْدِ الثامن !!..

 

على العكس تماماً من كل ما يروج من أكاذيب إسرائيلية سواء على صعيد تفوق القوة النوعى كما يتغنى به الإسرائيليون أو على صعيد الترويج للرواية الإسرائيلية المغلوطة عن ملكية اليهود لدولة فلسطين ونفى أى حقوق للشعب الفلسطينى وعلى العكس من كل أجواء السلام الذى يراه الإسرائيليون على أنه استسلاماَ عربياً ، على العكس من كل ذلك يعيش كيان الاحتلال حالة غير مسبوقة من الانقسام الداخلى الحاد وتفاقم الأزمة الأمنية وتداعى المقومات الأساسية لنظرية الأمن الإسرائيلية لأسباب كثيرة فى مقدمتها تعاظم كرة الغضب الفلسطينية وتنامى العمليات الفدائية سواء داخل الكيان نفسه أو على أراضى الضفة الغربية المحتلة، وهى الحالة التى تعتبر الوجه الآخر لسياسات حكومة الاحتلال وجماعات المستوطنين والمتطرفين اليهود ضد الشعب الفلسطينى وضد القدس المحتلة وفى القلب منها المسجد الأقصى.

تراجع رئيس حكومة الاحتلال نفتالى بينيت أمس الأول الأحد فى اجتماع حكومته عن تفاهمات سبق التوصل إليها مع الأردن حول حرمة الحرم القدسى ومنع اقتحامات المستوطنين الاستفزازية لساحات الأقصى تعتبر مؤشر ضعف أكثر مما هى مؤشر قوة ودليل على هشاشة الاستقرار الحكومى الذى أضحى معرضاً للخطر بسبب موجة الاستقالات المتتالية من حزب “يمينا” الذى يتزعمه نفتالى بينيت وبسبب انكشاف ضعف القبضة الأمنية وعجز سلطات الاحتلال عن توفير الأمن والحماية لمواطنى الكيان فى ظل الموجة الجديدة من عمليات المقاومة والتى كانت آخرها عملية “إلعاد” التى وقعت بالقرب من مدينة تل أبيب.

كما تعتبر تهديدات نفتالى بينيت بشن اعتداء عسكرى ضد قطاع غزة استجابة للضغوط السياسية والإعلامية بضرورة الانتقام من المحرضين لما يسمونه “العمليات الإرهابية” المتصاعدة ضد الإسرائيليين وفى مقدمتهم يحيى السنوار رئيس حركة “حماس” في قطاع غزة، وصالح العاروري رئيس “حماس” فى الضفة الغربية المحتلة هي الأخرى مؤشرات ضعف تكشف عجز بينيت عن مواجهة تصعيد اليمين المتطرف لحكومته.

يؤكد هذا الضعف ذلك الرفض القوى من أركان الحكومة لاقتراح بينيت بشن هجوم عسكري على قطاع غزة وخاصة رفض كل من يائير لابيد نائب رئيس الحكومة وزير الخارجية وبينى جانتس وزير الحرب حسب تأكيدات الصحفى يعقوب باردوجو المعلق الصحفى لإذاعة جيش الاحتلال الذى كشف عن توتر شديد فى الحكومة الإسرائيلية وقال أن المسئولين الأمنيين والعسكريين الإسرائيليين يعارضون بشدة هذه الخطوة التى اعتبروها “خطوة طائشة لأغراض انتخابية”.

لم يأت هذا التوتر من فراغ لكنه تعبير مباشر عن العجز فى توفير الحماية اللازمة للإسرائيليين من ناحية وعن العجز فى الاستجابة لمطالب المتطرفين من المستوطنين وعتاة اليمين اليهودى سواء ما يخص المسجد الأقصى أو ما يخص الحرب على قطاع غزة. هذا العجز أكدته تحذيرات “كتائب القسام” الجناح العسكرى لحركة “حماس” السبت الفائت (7/5/2022) من أن احتمال استهداف إسرائيل قادة المقاومة سيكون “إيذاناً بزلزال للمنطقة”، وقال الناطق العسكرى باسم تلك الكتائب أن معركة “سيف القدس” (التى وقعت فى شهر رمضان من العام الماضى رداً على الاعتداءات الإسرائيلية على الأقصى)، ستكون حدثاً عادياً بما سيشاهده العدو، وسيكون من يأخذ هذا القرار (تصفية يحيى السنوار أو أحد قادة المقاومة) قد كتب فصلاً كارثياً سيدفع ثمنها غالياً بالدم وبالدمار”. وكان يحيى السنوار نفسه قد هدد فى تحذيرات غير مسبوقة توعد فيها “استباحة الكنس اليهودية فى العالم لو تكررت الاعتداءات المهينة التى ترتكبها الشرطة الإسرائيلية ضد المصلين فى المسجد الأقصى”، وخاطب السنوار الفصائل الفلسطينية وأجنحتها العسكرية: “عليكم أن تتجهزوا لمعركة كبيرة إذا لم يكف الاحتلال عن الاعتداء على المسجد الأقصى”، معتبراً أن “العدو يخطط لتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً كمرحلة أولى تمهيداً لهدمه”.

رفض أركان الحكومة لمقترح شن هجوم على قطاع غزة لم يأت منفصلاً عن هذه التهديدات الفلسطينية التى أضحى فى مقدورها “ردع الإرادة الإسرائيلية”، لكن هذا العجز الأمنى ليس المعضلة الإسرائيلية الوحيدة التى تواجه كيان الاحتلال. فقد حصر الكاتب “عاموس أرئيل” أربعة تهديدات ، من وجهة نظره، تواجه كيان الاحتلال ، ففى مقال له بصحيفة “هآرتس” تحت عنوان “أربع تهديدات مصيرية تواجهها إسرائيل” كتب أرئيل أن أول هذه التهديدات هو “الديموجرافيا الإسرائيلية- الفلسطينية”، معتبراً أن عام 2020 كشف عن تفوق في عدد الفلسطينيين على الإسرائيليين على كامل أرض فلسطين تحت الانتداب (أي كل فلسطين من النهر إلى البحر)، وتوقع زيادة الفجوة على المَدَيَيْن المتوسط والبعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وقال : سيتزايد الإدراك العالمى لهذه الحقيقة، وتوقع أن تواجه إسرائيل فى ظل هذا الخلل صعوبة كبيرة فى مواصلة سياسة الاحتلال وسوف تضطر للتسليم بخيار “الدولة الواحدة” وليس فقط “خيار الدولتين” خصوصاً وأن الجيل الجديد من الشباب الفلسطينيين فقد نهائياً كل الثقة فى جدية حل “الدولتين” وأضحى خياره الوحيد هو “الدولة الفلسطينية الواحدة على أرض كل فلسطين”.

أما التهديد الثانى فهو تراجع سيطرة الدولة الإسرائيلية على المواطنين الفلسطينيين فى المدن المختلطة بين الفلسطينيين واليهود داخل كيان الاحتلال، التهديد الثالث هو عجز الجيش الإسرائيلى عن التصدي للهجمات سواء ما هو داخلى منها أو ما هو خارجى.

يبدو أن مجمل هذه التهديدات هى المسؤولة عن تفشي ظاهرة “الكراهية والانقسامات” التى تجتاح المجتمع الإسرائيلي على نحو ما رصده “افرايم غانور” الباحث السياسى فى مقال نشره بصحيفة “معاريف” الإسرائيلية قال فيه : إن “الإسرائيليين يحيون تأسيس دولتهم فى عامها الرابع والسبعين والأرض تهتز من تحتهم غاضبة وقلقة” ؛ هذا الأمر نفسه أدركه إيهود باراك رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق الذي أبدى تخوفه من تعرض كيان الاحتلال إلى ما يسميه “لعنة العقد الثامن” وأن تزول إسرائيل قبل حلول ذكرى تأسيسها الثمانين.

فى مقال نشره فى صحيفة “يديعوت احرونوت” ذكر باراك أنه “خلال التاريخ اليهودى فإنه لم تعمر لليهود دولة لأكثر من ثمانين عاماً، إلا فى فترتين الأولى: فترة الملك داوود، والثانية هى فترة (الحشمو نائيم) وفى الفترتين فإن بداية تفكك كليهما كانت فى العقد الثامن”.

واختتم باراك مقاله بالقول أن “تجربة الدولة العبرية الصهيونية الحالية هى التجربة الثالثة وهى الآن فى عقدها الثامن ، وقال “نخشى أن تنزل عليها لعنة العقد الثامن كما نزلت بسابقاتها”. هل سيدعم التاريخ توقعات إيهود باراك ويسقط “الحلم الصهيونى”؟ هذا هو الكابوس الذى يعيشه الإسرائيليون هذه الأيام رغم كل محاولاتهم لإخفائه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى