أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

المـوت .. وعـيـد الحـب .. وأشـيـاء أخـرى..

يـوسـف البـادي

 

المـوت .. وعـيـد الحـب .. وأشـيـاء أخـرى..

 

اليوم اشعر أنني مختلف .. وهناك رغبة كبيرة أن أتقيء الحياة ، راغب في الموت ولو ليوم واحد ، لأخبر العالم ؛ وبيدي دليل قاطع بأنه ليس هناك ما يستحق أن نعيش لأجله.

* * * * *

لا أدري لماذا نقاوم الموت بتمنّي الحياة ؟! ، بالرغم من أن عالم الموت يحوي ميزات كثيرة ، ليس أقلها بأنك تخاف أن تقول كلمة “صوبنا” ، أكثر من خوفك من سرقة ميزانية دولة ، وليس آخرها أنك ستبتعد عن هاتفك كله ، ولن تسهر ، ولن تنتظر راتباً لا يكفيك ، و بالتأكيد فلن تحتفل بعيد الحب ، ولن تجامل صديق لك بضحكة صفراء بعد سرده طرفة سمجة .. موت بلا مجاملات.

* * * * *

وبمناسبة الضحك .. هل تعلمون أن هناك ملوك ماتوا من الضحك ؟!!. والله.

ولا غرابة .. أن يموت كثير من سكان الأرض بسبب البدانة ، وليس الجوع ؟!!.

ولا أدري إن كان هناك من مات لكثرة صدقه ، لكني أحاول  ألّا أكذب في الحياة !! ..  فلي معاصٍ أخرى لم أشأ أن يكون الكذب تاجها .. وأجّلت ذنب الكذب لما بعد موتي ، وأخبر زملائي هناك بأني قبل أن آتيهم طبَّعْت مع فلسطين ، فالأمر الواقع يقول : إن القوي من يحكم ، وليس أصحاب الأرض ، واعتذرت لإسرائيل بأن رضيت بيعها وإن كانت الأرض أرضهم ، وكثير من كرامتي بعتها .. والمصلحة مقدمة ، وسأقول لهم : إنه لولاي لما أُخْرِجَ الطفل “ريان”  في اللحظة الأخيرة ، فكان رجال الإنقاذ يحفرون في اتجاه آخر ، لولا مجيئي وصحَّحت الاتجاه ، وسأخبرهم أن في جنازتي مشت خلفي فتاة أحببتها فرفضتني !! ، وقد ناحت خلفي ندماً ، وأنني تمنيت الرجوع للحياة ولو للحظة وأقول لها : عيشي بغيظك ، لقد مت وأني الآن من الفرحين.

وكأن قلبي يمحو ذكراها ولسان حاله يقول : هَمٌّ وانزاح !!.. هههه .. وأنصحه : لا لا يا قلبي .. دعها وشأنها ، فما يدريك ، لعلها تظن ونحن في عز موتنا : أنه حتى من الحياة لم تخلُ من الحسدِ.

وسأخبرهم أنني مت من شدة الفرح ، حتى أن موتي جاء في يوم الحب ، الذي لا أتمنى أن أعيشه ، والذي أجيبت دعواي أن أموت فيه .. فمت ، ليحزن  علي أصدقائي في يوم حبهم.

وقد كانت آخر دعواي بأن يقوي الله شوكة الهندوس الذين يحاربون عيد الحب على محاربتهم له ، وأن يجعل يقينهم يقوى باعتقادهم الأكيد أن تلك عادة دخيلة مرفوضة ، اللهم قوِّه من رأي ، واصرفهم له ، لينصرفوا عن أذيّة المسلمين ، حين هجرنا نحن قوتنا وحيلتنا بانصرافنا لأعياد كعيد الحب.

* * * * *

سأقسم هناك بأن كل ما أقوله أصدق الصدق ، فلعلّ من منصب يأتيني بينهم لصدقي ، كما تأتي لبعض الأحياء مناصب الصدق وهم من الكاذبين.

على أنني أجزم أن لن يعرف أحد أنني أكذب !! فذاكرة الموتى أيضا ميتة ، ولا أعتقد أني سأكون معروفاً هناك ، فأنا لا يعرفني أحد في الحياة ، فمن تراه سيعرفني أسفل الأرض ؟!.

وهناك لن أجمع الحب والموت والكذب معاً ، فتحت الأرض سأعرف أني ودعت الحياة وحيداً ، ومن أحببته ذهبت عنه للأبد ، ومن أحبني هال عليَّ حفنات من التراب وذهب ، و لن أخبر فتاة أني سأموت فداءً لها .. أنا ميت أصلا .. والحب في المقابر أكثر صدقاً ، فلا يأتي ليزورك هناك إلا من يحبك فعلاً ، وليس لمصلحة ، وما دنَّس الحب في الدنيا إلا الكذب في حضرته.

* * * * *

وحتى نعتاد الصدق .. فأوصيكم ونفسي ألا تجربوا الحب هذا ، إنه قَتّال أشِر ، يقطع القلب ، والشرايين يملأها بالكوليسترول ، وترجع المعدة خاوية على عروشها ، فلا طعام تأنسه ، ولا شراب تتلذذه ، وأوصيكم كما أوصيت نفسي ، بأن تحافظوا على بنكرياسكم خير لكم من حفاظكم على موعد غرامي ، يكلفكم هدية ثمينة ، ستحتاجون لثمنها فيما بعد للاشتراك في نادٍ رياضي ، بعد أن أهملتم جسدكم فأهملكم ، فأوصاكم الطبيب أن تمارسوا الرياضة ولو لنصف ساعة ، واعلموا أن النصف ساعة هي رمز خفي لم نفهمه جميعاً ، فهي تذكير بالنصف ساعة التي تتأخر عليك حبيبتك ، فلا تأتي إلا في نصف آخر في أي ساعة تختارها هي.

وأوصيكم أن تغضوا البصر عن كل صاحبة جمال ، وبحلقوا ما استطعتم في القبيحات فقط ، اقهروا الجميلات ، ولعمري ستعرفون لذة الانتصار ، ولذة النوم بالتأكيد.

ولا تتزوجوا النساء بعد قصة حب ، وتزوجوهن بلا قصة سردت ، واكتبوها أنتم ، لا نقلاً من مسلسل تركي ،  وادخلوا قفص الزواج من أبواب مفتوحة ، تملكون مفاتيحها ، وابحثوا في قلوب النساء عن مفاتيح.

وأوصيكم .. وإن لم أوصِ .. أن تدعو على كل فتاة أحببتها ولم تبادلني الحب ، وأن تبتلى كما ابتليت به أنا ، وأن لا يشفع لها هيامها بحبيبها تأخرها عن بصمة العمل ، وأن تغلق مصانع إنتاج أحمر الشفاه “الروج” ، و أن تصدر هواتف جديدة تكون كلها خالية من كاميرات ، وادعو ان يذبل كل الورد في العالم ، وتالله خصوا الأحمر بالانقراض ، وليكن الأحمر فقط محصوراً لمنتخبنا الوطني ، فلعل كأس عالم يأتينا .. والمصلحة خير وأولى.

كل عام أنتم الحب كما ينبغي ، لا كما نكذبه ، وأقول قولي هذا وأستغفر  الله من كل حب دنيء ، وأقيموا قلوبكم لما ينفعكم ، وساووا نبضكم ، فإن تسوية النبض من تمام الحياة..

‫2 تعليقات

  1. (الموت وعيد الحب وأشياء أخرى) للكاتب يوسف البادي أعجبني كثيرا ومن شدة إعجابي به ضغط في نهاية المقال على رمز المشاركة ثم اخترت تطبيق الوتس_آب لأشاركه مع من أختارهم من قائمة الأسماء الموجودة في هاتفي .. ولكنني أُصبت بخيبة الأمل حين لم يتيسر لي أن أرسله إلا لعدد بسيط جدا رغم أن القائمة عندي تفوق الألف وسبعمائة إسم وبرغم من أن هذه القائمة أغلبها عرب وربما من المثقفين ليسوا من بنجلاديش ولا دلهي ، فقلت لك الله يا يوسف احتفظ بزبورك لا تتلوه على أغبياء فَيَسبُّوك أو يخرجوك أو يضربوك أو يسجنوك.
    ومني لك أطيب التحيات/راشد الزيدي (أبو عمار) fidarashid@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى