أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

البنك الدولي هل هو دولي .. أم خاص ؟! وما هي أجندته ؟!!..

الكـاتـب/ حـمـد النـاصـري 

 

البنك الدولي هل هو دولي  ..أم خاص ؟! وما هي أجندته؟!!..

 

بَعد إعلان رَفْض سَلطنة عُمان تَطْبِيع علاقاتها مع الكيان المُحْتل، سارع الشَعب العُماني لِلتَعبير عَن رَفْضِه لِلتَطْبِيع بوسائل التواصل الاجتماعي ونشر آلاف المُغَردين عبر تويتر وعَبر الصُحف والمواقع الإلكترونية مُعْربين عَن رَفضهم للتَطْبِيع غير آبِهين بأيّ تَبعات واجْراءات وتَهديدات مُبَطّنة ومُعْلَنة مِن حكومات غربيّة ضِد الدول التي تَرفض التَطْبِيع  ونَشْر بَعض المُغَردين ، أنّ قرار تَطْبِيع بَعض الدول الخليجية مع الكيان الصهيوني المُحْتل لِمَسْرى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وأولى القِبْلَتَين القُدس الشَريف لَهُو قرار لا يَعني أنّ سَلطنة عُمان قد قَبِلَت التَطْبِيع كتَحصيل حاصِل فسياسة السَلطنة لمْ تَكُن يوماً تَحصيل حاصِل .. واعْتَبر بعض المُغردين العُمانيين أنّ اتّفاقيات السَلام تَبقى وهْماً مُؤجّلاً ما لمْ يَقُم كيان الاحْتلال بالمُبادرة بِتَمكين السَلام الدُولي ويَنال الشَعب الفلسطيني حقه المشروع .. وقد دَعَمَت عُمان اتفاقية السَلام الإسرائيلية الفلسطينية على أساس التقاسُم المُشترك بينَ الدَولتين على أُسُس شرعيّة واسْتناداً إلى القرارات الدولية ذاتَ الشَأن، أنّ القُدس عاصِمَة الدولة الفلسطينية وأُسُس قانونية وتَرسِيم الحدود لتكون هناك دولتين وباعْتراف دولي.

ولكن طالما أنّ اتفاقية السَلام لمْ تُحقّق السلام المنشود الذي يُعِيد الأرض والسِيَادة  إلى الدولة الفلسطينية ويُعِيد الحياة الآمنة والسَلام والاسْتقرار للشَعب الفلسطيني فحتْماً تلك الاتّفاقية سَتبقى حِبْر على ورق ، وما يَحدث مِن رَدّات فِعْل تُعَبّر عَن يأس الفلسطينيين مِن مُماطلات وحِيَل الصَهاينة واضْطرارهم للدفاع عَن انفسهم فنرى تسارع دول تسمي نفسها كبرى لإدانته واعتباره ارهاب رغم انه حق كفلته القوانين التي وضعوها هم ضمن ما يسمى بمنظمة الامم المتحدة  ، أمّا حقّ الفلسطينيين فلا يَعنيهم رغْمَ انهُ حقّ مَشْروع كفلتهُ كافة الشرائع والقوانين الكونية!.

وقد شدّتني إحْدى التَغريدات التي قال فيها ناشِرُها ، أنا ضد التطبيع حتى لا يسجل التاريخ أن هذا الجيل تخاذل عن القضية الرئيسة للوطن العربي.؛ وذلكَ يَعْنِي أنّ القضيّة عربية وليست فلسطينية فحسْب ، وأنّها تَمُسّ الوجْدان العربي ناهيكَ عَن قُدسِيّتها الإسْلامية .؛ وغرّد آخر .. ” أنا ضد التطبيع لأنه وفق القانون الدولي وليس لأحد الحق باغتصاب الأراضي وقتل وتهجير أهلها .” يَعني ذلكَ أنّ ما يَقوم به كيان الاحْتلال يَخرج عَن القانون الدولي بالإجْماع إذا اتّخذنا القانون الدولي كمرجعيّة حقيقية لحفظ الحقوق ومَنع اغْتصاب الأراضي وتَهجير أهلها.

وكانَ مَوقف الشَعب العُماني صادماً للحكومة الاسرائيلية فهيَ قد عَوّلَت على سِنين مِن المُناورات وسِياسَة المَسْكَنة وفي نفس الوقت محاولاتها لشيطنة الفلسطينيين اصحاب الأرض والحق من خلال حملات اعلامية محمومة وخبيثة، تلكَ المُناورة الفظّة لإسْتدراج العرب واسْتمالتهم ضِد القضيّة الفلسطينية ودأَبَ الصَهاينة وجُهودهم ذهبَت أدْراج الرياح وأتَت بنتيجة عكسيّة تماما كردّة فِعْل العُمانيين الاصِلّاء اللذين لمْ يَنْطلِي عليهم رَداء الحمْل الذي يَرتديه الذِئْب الصَهيوني ولمْ تكن الحكومة العُمانية بَعيدة عَن نَبض الشارع فكانَ مَوقفها المُعْلَن والثابِت ألاّ تَفْريط بحقوق الشَعب الفلسطيني وأنّ أرض فلسطين للفلسطينيين ولا مُساومات ولا اتّفاقات إلّا بَعْد تَطبيق الاتّفاقيات والقرارات ذاتَ الشَأن  ونشرت صحيفة “جيروزاليم بوست” تقريراً عَن أهميّة الدَور العُماني في دَعْم جُهود السلام في المنطقة .. ثم ما لَبِثَ كاتب المقالة أنْ عَرّج بأسْلُوب مُلْتَوي ، مَفاده “أن عمان تهدف إلى تمهيد الطريق أمام الدول، لتكون أكثر انفتاحا على إسرائيل”!.

إذنْ نقول أنّ السياسَة العُمانية الواقعيّة والعَقلانية لمْ تَرِق لِلصَهاينة ومَن يَدعمهم مِن الحكومات الكُبرى فقرّروا اسْتخدام وسائِلَهم الماكرَة لِتَطْويق الاقْتصاد العُماني وفرض اجْراءات مُضِرّة على المدى البَعيد عليه ومِنْها مُحاولات ما يُسَمّى بالبَنك الدُولي الذي تأسّس بَعدْ الحرب العالمية الثانية كمؤسّسة أمَمِيّة ظاهراً وذاتَ أجِنْدَة خطيرة باطناً وتمّ دَعْمُه وتعاظَمَت قُوته كسرطان في جسَد العالم بِدَعم مِن قُوى خفيّة ومَقر ذلكَ البَنك في مدينة واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية وتُسَيْطِر على البنك وتُمَوّله  اثْنَي عشر عائِلَة اوربية وامريكية ترأسهم عائلة روتتشايلد اليَهودي مِن أصْل ألماني (وتَعني روتشيلد  الدرع الأحْمَر  بالألمانية) واسْتطاع البنك مِن إغْراء العديد مِن الدول المُحْتاجة بِمَنْحِها قروض لِتَجاوز أزماتها وفرض شُروطه القاسية عليها والتي تَنْتَقِص مِن سِيادتها وتُهَدّد اقْتِصاداتها على المدى البَعيد وتُكَبّلها لِمُدَد غير مَعروفة بشروط ذلك البنك تلك المحاولات التي تنبه لها مبكرا الاقتصاديون العمانيون وحذروا من نتائجها.

وفي كتاب نادر صَدر باللغة الفرنسية عام 1989م وتَمّت ترجمته للغة العربية عام 1992م، يَحمل عنوان “التاريخ السري للبنك الدولي” من تأليف الدكتور زكي العايدي، الأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس والمستشار السياسي السابق لرئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس.

وقد حاول الكاتب تَقديم العديد مِن الحقائق المجهولة حول تاريخ البنك الدولي، الذي تحوّل مِن مؤسسة صغيرة إلى قوة مالية عالمية مُؤثرة، تلكَ القُوة التي تطوّرت على نَحو مُذهل وجعَلت البنك يَتحكّم في خيارات شُعوب البُلدان النامِيَة في مَجَال تَنميتها الاقتصادية، وطريقها المُسْتَقِل للتقدّم الاقتصادي والاجتماعي، بَل إنّ هذه القوة، كما يَصِفها مُؤلف الكتاب، جعَلَت البنك “يَضْغَط على سيادة الدول” ويُفرض “رقابة على المصروفات العامة”  ويُفرض الوصاية عليها ، على حد تَعْبِيره!.

ويُؤكد العايدي على أنّ تَغوّل البنك الدولي بهذه الصُورة جاء عَبْر تاريخ سَيء السُمعة مِن العَمل على تَدمير الدول القوية خلال فترة الخمسينيات والستينيات، والقضاء على أية خُطط طموحة للنهوض بالاقتصادات الوطنية وتحقيق الاسْتقلال الاقتصادي، ومثال على ذلك ما حدث مع مِصْر على سبيل المثال، ويُشير الكاتب كذلك إلى الدور الهام الذي قامَ به البنك في دَعْم الشركات العابرة للقارات والقوميّات، التي ساعدَت البنك في التَخلّص مِن القطاع العام في بُلدان العالم الثالث.

إضافة إلى ذلك ما كتبه الكاتب عبدالله بن بخيت في صحيفة الرياض بعنوان : سيطرة عائلة روتشيلد اليهودية على البنك الدولي بتاريخ 13 فبراير 2018م ، قال في مَطلعه ” لم أسمع أن شعباً من الشعوب أخذ نصائح البنك الدولي بالقبول والترحاب. في كل خبر يأتي فيه ذكر هذا البنك أشعر أن نصائحه ضد مصالح الشعوب وخصوصاً الفقيرة منها. ولا أعرف بالضبط ما الذي يجري…. وتقلقني سمعة ذلك الصندوق !! فلم أسمع في يوم من الأيام من امتدحه أو شكره على نصائحه. فالاقتصاديون (الذين قرأت لهم) يهاجمونه وأنصاف الاقتصاديين يهاجمونه، ومن جهة أخرى يستغل المعارضون لسياسات بلادهم سمعته للنيل من حكوماتهم. حتى الحكومات التي تستفيد من قروضه لا تمدحه أو تدافع عن اتباع سياساته. “وتساءل الصُحفي السُعودي عبدالله بن بخيت .. هل ذلك الصندوق شر لا بد منه؟ لا يلجأ إليه إلا المضطر. كالمرابي في العصور القديمة. لا ينقذك وإنما يمنحك قرضاً يساعدك على تأجيل مشكلتك وترحيلها لكي تتفاقم وتصبح الحكومة وشعبها أسيرته. عمله أن ينقذ الحكومات المتعثرة بإغراقها في مزيد من العداء مع شعبها.!

وذهب الكاتب مُشَككّاً “يمكن التشكيك في تورط الصهيونية في المؤامرات السياسة والاجتماعية ولكن من يقدر أن يبرئ الصهيونية من مؤامرة قوامها المال. وكيف يكون اللعب على المكشوف. لا يعمل البنك في الخفاء أو بالتواطؤ مع الخفافيش. المؤامرة تحتاج إلى قرارات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب”. انتهى كلام الكاتب.

والحقيقة أنّنا ونحن نتكلّم عَن ذلك البَنك المَشْبُوه نَرى أنّ نِيرانه وصَلت لحافّات دشاديشَنا الخليجية ، وأصْبح يَتدخل بشَكْل عَلَنِي وسافِر ليسَ في شُؤوننا الاقتصادية فحسْب بَل حتى في شُؤوننا الاجتماعية والسياسية سواءً بِمُناسبة أو بدون مُناسبة .. ويتبادر إلى ذهني سؤالاً مُحيّراً ، تُرى مَنْ أعْطَى رؤوس ذلك البنك الحق في التطاول على سياساتنا الاقتصادية والمالية والاجتماعية؟.

فنحن نعرف أنّ دُولاً مِثْل تركيا والبرازيل واثْيُوبيا وغيرها انْتَفَضت في وجْه البنك الدولي وبذلَتْ جُهوداً كبرى لِلتَخلّص مِن رْبْقَة قُروضه الضارّة وانْطَلقت بَعْد ذلك لِتُطوّر اقتصاداتها بِحُريّة وبلا شُروط مُلزمة التَنفيذ وتحوّلَت مِن دول مُدِينة إلى دول دائِنَة وازْدهرت اقتصادياً ومالياً وقضَت على نِسَب كبيرة مِن الفَقْر والبَطالة والأُمّية.

وإنا إذْ أرى أنّ خطر تلك المؤسسة وتأثيراتها السَلبية على الشُعوب والمُدَمّرة على اقتصادات الدول ، أتمنّى أنْ يَعِي كُلّ المَسْؤولين في القطاعات المالية والاقتصادية بالذات في دُولنا العربية والخليجية مَغَبّة الوقوع في حَبائِل تلك المؤسسة وأنْ لا تُغْريهم قُروض او تَسْهيلات قد يُقدّمها ذلك البنك ويُجرجر اقتصاداتنا إلى ما لا يُحْمَد عُقباه.!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى