أصداء وآراء

جـو بايـدن وتحـدّي المستـحـيـل !!..

* الكاتب/ د . محمـد السعـيـد إدريـس

mohamed.alsaid.idries@gmail.com

 

جـو بايـدن وتحـدّي المستـحـيـل !!..

 

إنتهت الإنتخابات الأمريكية فعلياً، بحصول المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن (جو) ونائبته كامالا هاريس على ما يزيد عن 290 صوتاً من الأصوات الكلية الإنتخابية ويكفيهما فقط الحصول على 270 صوتاً للفوز بالمنصبين، لكن هذه الإنتخابات لم تنته بعد رسمياً بعد أن رفعت حملة الرئيس دونالد ترامب طعنها في نتائج بعض الولايات المرجحة لفوز بايدن إلى القضاء، مطالبة بإعادة الفرز مرة أخرى في الولايات المختلف عليها مع استبعاد بطاقات الاقتراع عبر البريد، وبعد أن أصر الرئيس دونالد ترامب على التأكيد أنه الفائز في الإنتخابات.

فهل يعني فوز المرشح الديمقراطي بالرئاسة والنجاحات التي تحققت في انتخابات الكونجرس، والتي يأمل في تحقيقها، أنه سيكون بمقدوره أن يستعيد الولايات المتحدة الأمريكية كدولة قائدة، وأن يحقق “الوئام والإنسجام والوحدة الوطنية” بعد كل ما حدث، وفى ظل ما هو قائم ومؤكد من انقسامات واستقطابات حادة ؟.

هل سيكون بمقدوره تجاوز كل ما حدث من صراعات حادة طيلة الأشهر الماضية، وأن يُنْهي كل العداءات التي تفجرت بين الأمريكيّين ؟.

كثيرون يرون أن جو بايدن “يطارد المستحيل”، وأن النوايا الحسنة لا تكفي لعلاج كل أو حتى بعض ما أفسدته الإنقسامات والصراعات الإنتخابية التي أخرجت من المجتمع الأمريكي أسوأ ما فيه، كما يرون أن “الكلام المعسول” الذي تحدث به بايدن في ذروة الإحتقان الإنتخابي مع انتهاء التصويت مساء الثلاثاء الماضي وبدء عملية فرز الأصوات، لا يكفي لتضميد الجراح التي مازال الرئيس دونالد ترامب ينكأ أوجاعها بإصراره على رفض الهزيمة وقبول فوز بايدن، وإصراره على تجييش جماهيره الضخمة التي صوّتت له ولم تخذله (71 مليون صوت) لإفشال فوز بايدن، الأمر الذى يعمل في الإتجاه المعاكس لمساعي بايدن الرامية إلى إعادة توحيد الأمريكيّين، ونسيان كل ما حدث، وإعلانه رفض معاملة الخصوم الانتخابيّين كأعداء.

بايدن أكد على “ضرورة الكف عن معاملة خصومنا على أنهم أعداء” وقال : “لسنا أعداء”، وزاد بقوله : إنه يعتز كونه ديمقراطياً، “لكنني سأحكم بصفتي رئيساً أمريكيا”.

خطاب بايدن عقب إعلان الفوز كان محوره تجديد الأمل وتوحيد جهود كل الأمريكيّين للقضاء على خطر فيروس كورونا والإنتصار عليه، باعتبار ذلك الهدف الأمريكي الأهم، وأنه “الهدف الذى سيوحد الأمريكيّين” بعدها تتوالى معارك تحقيق الأهداف واستعادة “الحلم الأمريكي”.

سيواجه بايدن بثلاثة تحديات كبرى أمريكية بحتة، ناهيك عن التحديات الخارجية التي لا تقل أهمية، في تهديدها بإفشال مسعى بايدن لاستعادة الحلم الأمريكي الذى يبشر به عنواناً للحكم في إدارته الجديدة.

التحدي الأول : يتعلق بالحزب الديمقراطي، الذى فاز ظاهرياً بالرئاسة وبأغلبية مجلس النواب، وينتظر مجلس الشيوخ كما فاز بعدد لا بأس به من حكام الولايات، لكن الحزب الذي توحد في معركته الإنتخابية ضد الجمهوريين بشروط تياراته السياسية، التي تزداد تباعداً بين تيار ليبرالي تقليدي ينتمى إليه بايدن وعدد كبير من رموز الديمقراطيين، وبين كل من تيار يسار الوسط، وتيار اليسار الأقرب إلى الفكر الاشتراكي، التياران الأخيران سوف يسعيان لفرض نفسيهما بقوة، سواء كأعضاء في الإدارة الجديدة، أو على أجندة الحكم، بإعطاء الأولوية لتحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة التمييز العنصري، والمطلوب من بايدن أن يبتدع الصيغة التوحيدية التي تَحول دون انفراط الحزب، وهو الأمر الذى لن يكون مستبعداً.

التحدي الثاني : فيتعلق بالحزب الجمهوري وفرص قبوله “مصالحة وطنية” مع الديمقراطيّين، والتخلّي عن الرئيس دونالد ترامب، وبالتحديد عن ما يمكن إعتباره المشروع السياسي للرئيس ترامب والقوى الاجتماعية : الطبقية والعِرْقِيّة التي شكلت القاعدة الإنتخابية للرئيس ترامب.

لقد انقسم الجمهوريون مبكراً حول من يتعاطف مع موقف الرئيس ترامب الرافض للإعتراف بفوز بايدن، ويدعمونه ومستعدون للخوض معه معركته الرافضة بنتيجة الانتخابات، وبين من قبلوا النتيجة وطالبوا الرئيس القبول بها واحترام الديمقراطية الأمريكية، والتوقف عن التشكيك في مؤسسات الدولة.

هذا الحزب المنقسم على ذاته بين من هم جمهوريون تقليديون لا يختلفون كثيراً عن الديمقراطيّين التقليديّين، وبين من هم شعبويون أو “ترامبيون” بمقدورهم إحداث إنقسام تاريخي في الحزب، ومن ثم الحيلولة دون نجاح مسعى بايدن للتوحّد الوطني الذي من المستحيل أن يتحقق دون توحّد الجمهوريّين وتجاوزهم العداوة والخصام مع الديمقراطيّين.

التحدي الثالث : هو الأخطر، وهو الأهم، لأنه يخص واقع المجتمع الأمريكي وما يعانيه من انقسام واستقطاب غير مسبوق، وانتشار ظواهر غريبة باتت شائعة مثل ما يعرف بـ “المقاطعات المغلقة” في ظل تزايد ظاهرة ميل الأمريكيّين لعزل أنفسهم في “مجتمعات ذات تفكير مماثل إجتماعياً واقتصادياً وفكرياً، بل وأيضاً عرقياً ودينياً، مع تراجع فرص الحراك الإجتماعي والمساواة الاقتصادية، عكس ما كان في العقود السابقة، حيث امتلكت أقلية الجانب الأكبر من الثروة تدريجياً وبالتالي تدهورت أوضاع الأغلبية على مدار العقود الأخيرة، وهذا قاد إلى ما يسمى بـ “جغرافيا السُّخْط”، حيث نجحت ولايات ومقاطعات في تدبير أمورها اقتصادياً، في حين عانت ولايات أخرى من عنف التحولات الاقتصادية، ما أدى إلى هجرة الكثيرين من الولايات الأفقر إلى الولايات الأوفر حظاً، ومن قلب الفجوة الإقتصادية ولد الإستقطاب العرقي والسياسي.

مع انعدام الأمن الاقتصادي، والخوف من الفقر، والشعور بالغضب، وفقدان المكانة الطبقية والإجتماعية، أصبح “الخطاب القومي المغلق” حبل نجاة بالنسبة للكثيرين مع تنامي السخط من خطر “موت الحلم الأمريكي”، وهو السُّخْط الذي عبر عن نفسه بقوة خلال المعركة الإنتخابية، وسيبقى لفترة غير محدودة يمثل أخطر التحديات التي ستواجه مشروع جو بايدن، في تحدّي المستحيل بعد كل ما حدث من بعثرة في الروابط التي كانت تحمي الوحدة الأمريكية.

 

* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء “أصــداء” ، بل تعبر عن آراء الكاتب..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى