أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

السلطان قابوس .. ومسجد تشينغ جينغ أقدم مسجد موجود في الصين..

الإعـلامية/ فـيـحـاء وانـغ – الصـيـن

 

السلطان قابوس .. ومسجد تشينغ جينغ أقدم مسجد موجود في الصين..

 

يسعدني أن أقدم لكم قصة حقيقية عن دخول الإسلام في الصين؛ عندما وصل التاجر العماني المشهور أبو عبيدة عبدالله بن القاسم إلى مدينة تشوانتشو بمقاطعة فوجيان جنوب شرق الصين، طاف أرجاء المدينة المختلفة وهو في ضيافة الأسرة الإمبراطورية، وقع بصره على مكان ما، ورنا ببصره طويلاً مع الشمس في زوالها نحو الغرب، فقرر شراء قطعة أرض تتوسط المدينة، تحلق حوله مُلّاك الأرض وأتباع السلطة الإمبراطورية ورهط من البحارة العرب والتجار الذين قدموا معه ومن كان قد وصل قبله، ودفع من النقود الذهبية التي أخرجها من جراب جلدي فاخر مزيّن بخيوط مزركشة، وقال : “هنا نشيد مسجدنا ليكون أول مسجد في بلاد الصين البعيدة”، وكانت تلك لحظة كثيفة الضياء والنور العرفاني البهي حين ولد مسجد الأصحاب العابدين وهو أول وأقدم مسجد في شرق العالم، وأول مئذنة تقابل الشمس في بزوغها كل يوم من جهة الشرق.

بدأت أعمال البناء للمسجد في عام 1009 ميلادي، ومن الحجر البركاني والجرانيت، بدأ المسلمون العرب والمسلمون الصينيون من الذين اعتنقوا الإسلام، وعرفوا أخلاق المسلمين وثقافتهم وقيمهم الحضارية عبر التواصل عبر طريق الحرير البري والبحري، وهم ينطلقون من مدينتهم التي سماها العرب مدينة الزيتون، بدأوا في بناء المسجد على الطراز المعماري الأموي الدمشقي السائد في ذلك الوقت، وأكمل بناء المسجد في عهد أسرة سونغ الشمالية، وبرزت بوابته الضخمة التي تشبه بوابات دمشق التاريخية القديمة، وعلى مساحة 2250 متراً مربعاً يقع المسجد وفناؤه العريض، وممراته ومداخله، وتميزت أعمدة البناء بضخامتها وصلابتها، فهي من أفضل الهياكل الصخرية الصينية، وطليت جدرانه بمواد ظل بعضها باقياً حتى اليوم؛ درجات المنبر من الحجارة والجرانيت، بينما البهو الخارجي وأماكن الوضوء الحجرية مازالت باقية، وهناك نصب رسومات وأدعية آيات قرآنية يحتضنها المتحف الحالي للمسجد والملحق به تعبر عن عظمة أولئك الرجال من المسلمين، حيث نقشوا آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية وتاريخ المسلمين الأوائل الذين وصلوا الصين ونشروا الإسلام، وتعتبر الحجارة والنقوش كنزاً تاريخياً إسلامياً عريقاً وعتيقاً وشامخاً وباقياً على مر الأيام.

وقد زاره في وقت لاحق بعد بنائه الرحالة العربي المسلم الشهير ابن بطوطة في أطول رحلة له في التاريخ من مدينته طنجة بالمغرب ليصل إلى شاطئ الصين الشرقي، وعاش عامين كاملين في مدينة تشوانتشو وهو من نقل أن اسمها العربي هو مدينة الزيتون.

والآن أصبح هذا المسجد من الآثار التاريخية البارزة في جمهورية الصين الشعبية، وضمه مجلس الدولة في عهد الزعيم ماو تسي تونغ ضمن القائمة الأولى للآثار الثقافية المحمية.

           

وبنى السلطان قابوس بن سعيد سلطان سلطنة عُمان الراحل في عام 2009 ميلادي بعد زيارة سابقة قام بها للصين وللمدينة، بنى بجوار المسجد القديم، قاعة ضخمة ومسجداً لصلاة الجمعة أكبر حجماً وأوسع فِناءً وصحناً، وصار البناء الجديد معلماً مكملاً للمسجد العتيق، تخليداً لذكرى الرحالة والتاجر العماني أبو عبيدة عبدالله بن القاسم أول من أسس مسجداً في الصين، وفتح طريق التجارة والتبادلات بين المنطقة العربية والصين، وجسد بقيمه وأخلاقه قيم الحضارة الإسلامية.

 

ومعروف في التاريخ أن الإمبراطور الصيني سون شين زون أطلق على التاجر العماني (أبوعبيدة عبدالله بن القاسم) جنرال الأخلاق الحميدة والطيبة، ومنذ ذلك التاريخ لا يوجد في هذه المدينة إلا الذبح الحلال، فإذا طلبت طعاماً حلالاً يقولون لك : من فجر التاريخ وتقديراً للعرب والمسلمين ولكثافة وجودهم، لا تتم عمليات الذبح إلا بالطريقة الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى