أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

إدارة الأزمـات .. الجـزء (3)..

أ . صـلاح الشـيـخ

مستـشار إداري وجمركي وخبيـر موارد بشرية

 

إدارة الأزمـات .. الجـزء (3)..

 

إدارة الأزمات هي إدارة الحاضر والمستقبل، وهي أداة علمية ، تقوم علي العلم والمعارف والخبرات، وتساهم في تجنب المشاكل والمعوقات المتعلقة بسير العمل ، وبالنسبة للدول فإن التنبؤ بالأزمات وحسن إدارتها  ، يمكن من تفادي الصراعات العسكرية ، وفي مقال سابق أوضحنا الفرق بين المشكلة والأزمة والكارثة ، ونعيد التذكير بهذا الفرق :

المشكلة : موقف ما له حلول متعددة ولديك الوقت الكافي لاختيار الحل (كثرة غياب موظفي إدارة معينة ).

الأزمة : موقف ما له حلول محددة ولديك وقت قصير لمواجهة الحدث وتقليل أضراره (رؤيا الملك في عهد يوسف عليه السلام).

الكارثة : موقف ما ليس له حلول ولا يوجد أي وقت لمنعة او تقليل مخاطره، وإنما إنقاذ ما يمكن انقاذه (الزلازل والفيضانات والبراكين).

في الماضي كان ينظر إلى إدارة الأزمة على أنها مجموعة الاستعدادات الإدارية لمواجهة الآثار المترتبة على الأزمة ، أما الآن  فإن إدارة الأزمات تتطلب التفكير الإستراتيجي ، وتوقع ما لا يمكن توقعه، والتقييم للمشكلات الداخلية والخارجية التي تهدد المنظمة  ، بمعني ربط إدارة الأزمات بالإدارة الإستراتيجية.

ماهي أسباب الأزمات ؟..

أسباب الأزمات من وجهة نظر إدارية تتلخص في :

1. المعلومات الخاطئة آو الناقصة : 

عندما تكون المعلومات غير كاملة فإن الاستنتاجات والقرارات تكون خاطئة ، وينتج عنها ظهور أزمات.

2. التفسيـر الخاطئ للأمور :

فالخطأ في التقدير والتقييم  ، يجعل القرارات غير واقعية ويؤدي لأزمة.

3. الضغوط :

الضغوط الداخلية والخارجية تتسبب في حدوث أزمات.

4. ضعف المهارات القيادية :

القيادة علم وفن وموهبة وذكاء ،  ومطلوب من المدير أن يؤدي دوره بمهارة ، ويتجنب أساليب التهديد والوعيد ، فهذا الأسلوب أصبح غير مجديا.

5. الجمود والتكرار :

بعض المدراء يفضلون الجمود والتكرار في أداء العمل ، ليظل سالماً وفقاً لتفكيره ، وفي هذه الحالة تزيد المشاكل وتكون بداية لحدوث أزمات.

6. البحث عن الحلول السهلة :

إن حل الأزمات والمشاكل ، يتطلب بذل الجهد وإعمال العقل؛ فالبحث عن أسهل الحلول قد يزيد من حدة المشاكل ويحولها الي أزمة.

7. الشائعات :

الشائعات لها تأثير كبير على الثقة وانخفاض الروح المعنوية لمواجهة المشاكل والازمات.

 الأزمة في قوم نوح وتحولها إلى كارثة..

بعث الله نوحاً عليه السلام إلى قومه ليعبدوا إلهاً واحداً ويتركوا عبادة الأصنام ، ودعاهم لمدة ألف سنة إلا خمسين “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا” (العنكبوت 14) فلم يؤمنوا فأنذرهم ، فسخروا منه وتحدّوه “قَالُواْ يَٰنُوحُ قَدۡ جَٰدَلۡتَنَا فَأَكۡثَرۡتَ جِدَٰلَنَا فَأۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ” (هود 32) ؛ إذن الأزمة هنا في عدم الإيمان وتكذيب نوح عليه السلام.

1. الإستعداد لمواجهة الأزمة :

أوحى الله الى نوح ، بصناعة السفينة ولم يكن الإنسان يعرف السفن ، فقام بصناعتها ، حيث يقول الحق : “فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا” (المؤمنون 27).

كما أمره الله بجمع الحيوانات من كل زوجين اثنين “قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ” (هود 40) للحفاظ على التكاثر وتوفير الطعام والشراب.

2. وقوع كارثة الغرق :

“فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِر (11) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ” (12) (س القمر).

لما وقعت الكارثة وغرق الكفار نجّى الله نوح والذين معه إلى الأرض الجديدة التى رسوا عليها وعاشوا فيها “فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِين (120) (س الشعراء).

3. الاحتـواء :

كانت الوسيلة الوحيدة للنجاة في صنع وسيلة مواصلات يمكنها السير في الماء وهى السفينة.

“وَحَمَلْنَٰهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَٰحٍۢ وَدُسُرٍۢ” (القمر 13).

4. استـعادة النـشاط :

وبدأت الحياة على الأرض الجديدة في مجتمع من المؤمنين وجعل الله ذرية نوح هم الباقين.

“قِيلَ يَٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلَٰمٍۢ مِّنَّا وَبَرَكَٰتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰٓ أُمَمٍۢ مِّمَّن مَّعَكَ ۚ” (هود 48).

5. التَّعَلُّم من الأزمات والكوارث :

يعرف التَّعَلُّم بأنه التغير في الإستجابة تحت تأثير الخبرة المكتسبة ، فالإنسان حين يكتسب الخبرة والتجربة يتصرف بشكل مختلف عما كان قبل الخبرة.

قوم نوح تَعلّموا الآتي :

  • عرف الإنسان أن الإيمان بالله هو النجاة.
  • الهلاك نهاية المكذبين.
  • تعلم البشر صناعة السفن من الخشب والحبال.
  • عرفوا أهمية تحديد الهدف.
  • خططوا لكل عمل قبل تنفيذه وأعدوا له.
  • كيفية إعداد الزاد للرحلة.
  • نقلوا الحيوانات حية كوسيلة لحفظ الطعام إذ لم يكن هناك ثلاجات للحفظ.
  • إبتكار وسائل جديدة للنقل.
  • تعلموا أهمية تقسيم العمل على الأفراد.
  • تعلموا أهمية كتمان السر لمحاولة لاحتواء الأزمة.
  • تعلموا اهمية التعاون والتكاتف في الأزمات.

قد يقول البعض : إن نوحاً نبي الله ، والرد على ذلك بنعم ، ولكن الله يعلمنا من خلال القرآن كيف يمكن التعامل مع الأزمات والكوارث ، فالقران نزل ليعلم الإنسان وليس سردا للقصص ، وسبق وأن أوضحنا قصة يوسف عليه السلام في مواجهة السنوات العجاف ولا زالت الأمم تتعلم من ذلك في الحاضر والمستقبل.

نخلص من ذلك أن إدارة ومواجهة الأزمات بحاجة إلي جمع المعلومات وتحليلها لإمكانية التنبؤ بالأزمات ، واتخاذ التدابير اللازمة لمواجهتها.

وإلى اللقاء في مقال آخر بمشيئة الله،،

‫5 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى