أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

متـى يكـون الحـديـث واهـيـاً ؟..

المسـتـشار/ عبد العزيز بدر القطان

كاتـب ومـفـكـر كـويـتـي

 

متـى يكـون الحـديـث واهـيـاً ؟..

 

تحقَّق، تبيَّن، إسأل، فكّر، إبحث، إقرأ، كلمات ترشدك إلى طريق الصواب، تحتاج منك الصبر أولاً، ثم المتابعة الحقيقة لكشف الحقيقة، إن لم تصل لا بأس، حينها استشر واسأل أهل العلم والاختصاص، في كل الميادين، لا تضع بين علمك وجهلك عائقاً، بل كُن أنت المحقّق، لكشف كل ما هو مكذوب أو ضعيف، أو رواية لا إسناد لها، أو حديث، في هذا البحث تعرف تفاصيل دينك، مدفوعاً بإيمانك الحقيقي.

في كل يوم نعيشه، نكتشف أننا لا نزال على طريق المعرفة، وهناك الكثير من الأمور التي نجهل خباياها، خاصة ما يتعلق بديننا الإسلامي، فكم هناك من الأحاديث المنتشرة بيننا ومنسوبة للرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وهي خاطئة، تم تناقلها، حتى باتت موجودة لدى كل المجتمعات، مثل (تفاءلوا بالخير تجدوه، أحب الأسماء إلى الله ماحُمّد وعُبّد، الدين معاملة، النظافة من الإيمان، الساكت عن الحق شيطان أخرس، السارق من السارق كالوارث عن أبيه، خير الأمور أوسطها، خير البر عاجله، الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، وغير ذلك الكثير)، كل هذه المقولات تعبّر عن موعظة وحكمة يُراد منها تهذيب النفس وتهذيب التعامل، جمالياً وعظةً لا يختلف فيها أحد، لكن هل سألنا أنفسنا إن كانت هذه المقولات التي يقول البعض إنها أحاديث نبوية، وإن كانت كذلك، هل تم التحقق من إسنادها الصحيح، ورواتها؟

سنكشف اليوم أحد هذه المقولات بالدليل العلمي لنبين أن الخيط بين المعرفة والجهل هو خيط رفيع نعم، لكن من يريد الاختيار بين الخطأ والصواب سيجد ضالته لأن أهل العلم لن يوفّروا جهودهم في سبيل إيصال المعلومة الصحيحة بالسند العلمي الصحيح.

لنتوقف قليلاً عند هذه الجملة: (تفاءلوا بالخير تجدوه)، هذه العبارة وغيرها من العبارات المشابهة التي غالباً ما تأتي على ألسنة القصّاص والمذكّرين والوعّاظ غير المدققين، هي بطبيعة الحال ليست أكثر من أمثلة وحِكم، نجدها انتشرت كثيراً خلال العصر العباسي، فكان هناك حباً لترويج القصة والعظة، ومن المعروف أن العصر العباسي اشتهر بكثرة أهل البلاغة والفصاحة، وعلى كثرتهم، كان لبعضهم سقطات، كأن تتوقف العظة أو القصة عند حدود معينة، ومنعاً للإحراج يقوم القاص أو المذكّر بنسب ما قاله لصحابي ما، أو تابعي، وهنا نجد أن الوضاعين من الوعّاظ تجدهم ينسبوها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فجملة (تفاءلوا بالخير تجدوه) اشتُهرت على أنها حديث نبوي، لكن لا أصل لذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هذا ما رواه الخطيب في تاريخه عن عائشة رضي الله عنها بإسناد واهٍ، بمعناه مرفوعاً، لكن في حقيقة الأمر هذا الإسناد لا يمكن القول عنه إنه واهٍ، لأننا إذا قلنا ذلك، فمعناه أننا خففنا ضعفه، بالتالي، الخطيب أخرج هذا الحديث بإسناد منقطع وفيه ضعفاً، بمعنى أن هذا الإسناد ساقط، بالتالي، هذه الرواية لا إسناد لها.

عندما يكون الإسناد من مبتدئه أي من قبل الراوي ضعيفاً وأرسل فروى عمّن لم يلقه أو يعاصره بالتالي، هنا انقطاع في الإرسال، دل ذلك على أنه نسب روايته لذلك حتى لو كان هناك انقطاع في الإرسال، فإذا نُسب هذا الحديث إلى النبي فهو موضوع، وإذا نُسب إلى صحابي فلا يعتد به.

وللزاد المعرفي، الحديث الموضوع يعني: الكلام الذي اختلقه وافتراه أحد الناس ونسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا القسم لا يحل لأحد أن يرويه منسوباً إلى النبي، مع علمه بوضعه.

وللإشارة، هذا الأمر لا يمكن نسبه إلى الحفّاظ، لأنه من غير الممكن أن يقعوا في هذا المطب، وعليه من الممكن القول، من قد يقع في هذا الخطأ بعض أهل العلم، إذ يعتبرون الإسناد الذي يضم علتين أو ثلاث علل أنه إسناد ضعيف، ما يعني أن الحديث ضعيف، أو بطريقة يعتبرون أن هذا الحديث فيه أكثر من علة، وعليه الحديث واهي، وهذا خطأ شائع، والصحيح أن الإسناد الذي فيه أكثر من علة يُنظر في علله، فإذا كان فيه راوٍ متهم بالكذب، فالإسناد حكماً ساقط، وإذا كان فيه راوٍ شديد الضعف، وقد أرسل (أي روى عمّن لم يلقه أو يعاصره) فقد خرج إرساله من التدليس، وخرج إرساله من الإرسال الخفي، بالتالي، أصبح لدينا إرسال ظاهر قريب إلى الكذب، فيكون هذا الإسناد تالفاً، وإذا كان الإسناد تالفاً لا يمكن تسمية الحديث واهٍ، هذا ما أكد فيه منهج الإمام عبد الرحيم العراقي، زين الدين المصري، (الحافظ وشيخ الحديث 1325 – 1403)، كان يعتبر هذا مما لا أصل له وهذا نجده في تحقيقه للإحياء.

من هذا الشرح المبسط من الممكن القول، ومن خلال قراءتي لأحد الكتب وجدت بعض الأمثال الشائعة التي يُقال عنها إنها أحاديث على غرار (تفاءلوا بالخير تجدوه) وحين بحثت واستقصيت ملياً وجدت ضالتي التي وودت مشاركتها مع كل مهتم في هذا المجال، للتمييز بين ما هو شائع على مبدأ الحِكم والعظات، وبين ما هو حديث، بالتالي، لتبيان الحقيقة إن الفيصل فيها هو علم التحقيق وعلم الرجال وعلم الجرح والتعديل، كذلك الغوص في أسانيد المقولات التي تُنسب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو لشخصيات إسلامية ما، وهنا تكون فائدة علم الإسناد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى