أصداء وآراء

نبي الله آدم عليه السلام في القرآن الكريم..

المستـشار/ عـبدالعـزيـز بـدر القـطان
كاتب ومفكر وقانوني – الكويت

 

نبي الله آدم عليه السلام في القرآن الكريم..

 

الكثير من الناس يعتقد حول قصة آدم عليه السلام، أن “إبليس” كان سبب نزوله وحواء من الجنة إلى الأرض، لكن السؤال المهم هنا، هل كان هناك حياة في الجنة؟ أم هذه الرواية من نسج “الإسرائيليات”؟

عـصـمة الأنبـياء..

يقوم الفكر الإسلامي في أساسه على القرآن الكريم والسنّة الصحيحة وذكرنا في عشرات المواضع أنهما المصدرين الأساسيين للتشريع الإسلامي، ونحن كمسلمون لنكوّن عقيدتنا الصحيحة كفكر إسلامي خالٍ من الشوائب وطاهر، لا يتم ذلك إلا عندما نلتقي مع القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة بشكل مباشر، من هنا، فقد وصل إلينا بعض الأفكار، أتت من العهد القديم لدى اليهود، والتي نطلق عليها مسمّى “إسرائيليات”، أي الروايات التي أتت من بني إسرائيل لكنها مرفوضة عقلاً وشرعاً، وكلمة إسرائيل تعني يعقوب عليه السلام، إسرائيل الله، أي صفوة الله أو عبدالله، وبالتالي أبناء إسرائيل هم بنو يعقوب ومن ذريته.

على سبيل المثال، “قَصَص الأنبياء” موجود في القرآن الكريم، وكذلك موجود في العهد القديم، لكن الأخير وباعتبار أن أيدي التحريف قد نالت منه ودخل فيه تزوير وإضافات، وبالتالي أصبح غير امين على التاريخ الإنساني، من هذا المنطلق، أصبحنا نواجه قصة خلق آدم عليه السلام في القرآن، وكذلك قصته في العهد القديم، وكما هو إيماننا الذي يفرض علينا أن لا حكم شرعي بعد القرآن الكريم، بالتالي إن البت والحكم في هذه المسألة لدينا كمسلمين، هو كتاب الله العزيز، لأن القرآن حفظه الله تبارك وتعالى، قال تبارك وتعالى في محكم كتابه العزيز: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، ونحن نقرأ القرآن تماماً كما قرأه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لم يتبدل منه حرف، ولم تسقط منه كلمة، وباللغة العربية الفصحى التي نعرفها ونتحدث بها ونمارسها، ولا يوجد في دنيا الناس أي كتاب يُقرأ بالنص الأول مقدس أو غير مقدس باللغة الأولى وبلسانٍ عربي مبين إلا القرآن الكريم، كأمة مسلمة مترامية الأطراف، سواء كنا عرباً أو عجماً، قال تبارك وتعالى: (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون)، هذه ميزة لا تتوفر لأي كتاب، إلا كتاب الله تعالى.

القرآن الكريم عندما يحكم، هذا يعني قطعاً أن حكمه هو العدل والفصل، ففي قصة خلق آدم، يخبرنا الله تعالى، انه تبارك وتعالى عرض الموقف على الملائكة كإخبار، قال تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون)، هذا يعني أنه ليس اعتراضاً من الملائكة على خلق آدم، إنما هو استفسار عن حكمة الخلق، بمعنى أنه لماذا سيتم خلق خلق قد يرتكبون معاصي ؟ وكيف عرفت الملائكة أن بني آدم يفسدون في الأرض ؟.

وبالتالي إن معنى خليفة هنا هي حاكم ودوره الفصل في الخصومات التي تقع في الأرض ودنيا الناس، وما دام هناك خصومات تتطلب حاكماً يفصل بينها، هذا يعني أن في الأرض نزاعات، وفي آية أخرى تدلل على ذات المعنى تقريباً، قوله تعالى: (إذ قال ربك للملائكة إني خالقٌ بشراً من طين)، وطبيعة الطين هنا أن فيها ظلم، والجميع يعلم أن “إبليس” أبى أن يسجد لآدم، إذ ان الله تعالى عندما خلق آدم عليه السلام وكرّمه وعلّمه الأسماء كلها، أمر سبحانه تعالى الملائكة وإبليس الذي هو ممثل الجن أن يسجد لآدم، لكنه لم يسجد واستكبر بعنصريته، قال تعالى: (أنا خير منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طين)، وقياس إبليس هنا، قياس فاسد، لأن الله تعالى خلقه وخلق آدم، فهو الخالق والحكم له، لكن إبليس يفضل عنصره على عنصر آدم أيضاً هذا تفضيل خاطئ، ولا يملك هذا الحق، ولا يعرف أين تكمن الحكمة من ذلك الخلق، وبالتالي كان ذلك أو قياس فاسد، وأول حكم فاسد.

نتيجةً لهذا القياس والحكم الفاسد لإبليس، طرد الله تبارك وتعالى، إبليس من الملء الأعلى، وكرّم آدم، بأن أسكنه وزوجه الجنة، ونهاه أن يأكل من شجرةٍ محددة، بعينها، قال تبارك وتعالى: (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين)، والسؤال هنا، هل النهي عن شجرة محددة أم عن شجرة بنوعها؟ ومن هنا حدد البعض أنها شجرة تفاح، وطبعاً هذه من ضمن الخرافات والإسرائيليات، ولكن ما لا يعلمه كثيرون أن آدم أكل من شجرةٍ غير تلك التي أشير إليها بعينها، معتبراً أن الإشارة للشجرة الواحدة بعينها وليس لنوعها، وهذا يؤكد ان آدم عليه السلام لم يعصِ الخالق كما يُشاع، سيدنا آدم مكرّم وهو أول الأنبياء وهو أول إنسان.

كيف وسوسَ إبليس لآدم ؟..

تقول الإسرائيليات أن آدم دخل في قصة (الحيّة)، ومنطقياً، وكل ما تم وصفه في الجنة، هل من المعقول ان يكون هناك في الجنة (حيّات) ؟ قال تعالى: (سابقوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين)، فهل يستطيع إبليس أن يتحول إلى حية توسوس إلى آدم ؟ بالطبع لا، وهذه هي الإسرائيليات التي لطالما حذرنا ونحذر منها، قد يحدث ذلك بأساليب، إذ إن للجن أساليب لا يعلمها إلا الله تعالى، والوسوسة لا تقتضي الاجتماع في مكان واحد، ونخلص من ذلك كله أن سيدنا آدم لم يعصِ، لكن ما معنى الآية الكريمة التي تقول: (وعصى آدم ربه فغوى)، المعصية كما نعلم هي نية التمرد على الأمر، أو التمرد على النهي، فهل كان آدم يريد التمرد على الأمر؟ في مسألة الوسوسة نلاحظ أن إبليس قال لآدم كما جاء في قوله تبارك وتعالى: (ما ناهكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين فدلاهما بغرور)، الوسوسة هنا كانت الخلود والمُلك، لكن نية آدم هنا ليست المعصية بل هي أن الخلود والمُلك يقربه أكثر من الله تعالى، وليس بنية التمرد والعصيان، لان إبليس قاسمهما كما جاء في الآية الكريمة أي أقسم بالله كذباً، وهو أول قسم كاذب كان قد سمعه آدم عليه السلام، فيكون أكل آدم من الشجرة جاء بنية التقرب إلى الله تعالى، وليس معصية، لكن شكل المعصية قد تحقق، أما نيّة المعصية فهي غير موجودة.

على سبيل المثال، من يفطر في شهر رمضان دون سبب فتلك معصية، أما من كان مريضاً او على سفرٍ فجواز الأمر ان يفطر وهنا لا معصية، قال تعالى: (فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعدة من أيامٍ أخر)، وبالتالي هنا تحقق شكل المعصية، لكن عندما نسقط النية والدافع، نتلمس جواز حالة الإفطار.

وبالعوة إلى الآية الكريمة: (وعصى آدم ربه فغوى)، فأتت من باب حسنات الأبرار، سيئات المقربين، فحسنات البعض يراها الغير سيئات.

من هنا، إن خُلق آدم عليه السلام في الأساس لأن يكون في الأرض، حتى قبل أن يُخلق، قال تبارك وتعالى للملائكة: (إني جاعلٌ في الأرض خليفة)، وعليه إن مهمة آدم في رسالته تنفيذها في الأرض، وأما وجوده في الجنة فكان بنية التعرف والتدريب على مهمة الخلافة وليس لأن يمكث في الجنة ويتخذها منزلاً له ولزوجه، وبالتالي، كل من يخرج بروايات لم يأتِ بها القرآن الكريم فهي ضلال في ضلال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى