أصداء وآراء

خمسينـيّ العُمـر ثلاثينـيّ التّقاعـد..

الكاتبة/ د . رضية بنت سليمان الحبسية

Radhiyaalhabsi@gmail.com

 

خمسينـي العُمـر ثلاثينـي التّقاعـد..

 

باتَ التقاعدُ كابوسًا يُقلقُ الموظفين، وشبحًا يُطاردُ مستقبلهم. لا لكونه مرحلة حتميّة من مراحل العمر الوظيفية، بل لما اكتنف ظروفه مؤخرًا بالخروج المبكر للتقاعد. فأصبحت قضية ال 70% فأكثر من المكملين ل 30 عامًا أو يزيد من مسيرة كفاح متباينة، بين مخلص وأقل إخلاصًا، منتجًا وأضعف انتاجًا، كلهم متساوون في ميزان التقاعد المباغت.

 إنّ الواقعَ للمتقاعدين متباينًا، سواء من حيث العُمر الحقيقي، العُمر الوظيفي، الكفاءة المهنية، التأهيل الأكاديمي، الإخلاص الوظيفي، والوضع المالي أيضا.

لذا فمن المتوقع أنْ تكون انعكاسات قرار التقاعد الصادر بالتعميم الديواني رقم (6/5/2020) أيضا متباينة، فبين من وجدها فرصة للراحة، ومنهم من كانت صاعقة على قلوبهم وأحلامهم ومخططاتهم الحالية والمستقبلية، وفي مقالي هذا لست بصدد التعبير عن جودة واستحسان القرار من عدمه، إنما في إطار رؤية انعكاساته على المكافحين والمخلصين منهم على مدى ثلاثة عقود ونيف.

كتب وغرّد الوطن بشرائحه المختلفة وعبر منابر متنوعة حول واقع وملابسات ونتائج التقاعد المبكر لمن أكملوا ثلاثين عامًا فأكثر في وظائفهم الحكومية .. فمنهم من تعاطف مع الفئة المذكورة، ومنهم من يُلقي اللوم عليهم ذاتهم،  فمنهم من يرى أن انغماس بعضهم في العمل الوظيفي الحكومي وبطموح منقطع النظير مالم تُتح لهم الفرص والظروف للكسب الجانبي؛ قراءةً لما قد يكون من عُسر الحياة المفاجئة، وبين من يُعلل قُصورًا من المتقاعدين أنفسهم في التخطيط المستقبلي لحياتهم لما بعد التقاعد، فعلى اختلاف حالهم وظروفهم، نقول للمغردين مهلًا : لا نكون نحن والزمان عليهم.

وإذا تأملنا حال المُقاعدين وفقاً للقرار الديواني، فإن أعدادًا ليست باليسيرة ممن لازالوا في قمة العطاء والحماسة لتحقيق المزيد مهنيًّا أو ذاتيّا، فلهم من المخططات والرؤى ما يعجز عنها إبن الثلاثين عامًا أو من ذوي العشر سنين خبرةً، فلا محلّ للمقارنة بين هؤلاء وأولئك في كثيرٍ من المجالات والاتجاهات، فإنْ كان ثمة فئة يرى البعض أنها غير منتجة، فإنّ من الفئات الأكبر ممن قدّم ومستمر في العطاء برغم تقادم السنين، بل ومجدّد ومتجدّد مع التقدّم في شتى وجوه الحياة، فالحقُّ حقٌّ، والحقُّ يُقال : ينبغي استثمار تلك الطاقات والخبرات بما يليق بها، ويساند البلاد فكرًا وخبرةً في مرحلة تتطلب التّمازج بين الأجيال والكفاءات لعُمان الحديثة، كما لا يُعقل ترك بعض منهم يُزج به في السجون أو التنقل بين أروقة المحاكم؛ جرّاء الإلتزامات المالية التي قد تُثقل كاهلهم بلا سبب إقترفوه سوى أنهم خدموا وظيفيًّا ثلاثين عامًا بكل وفاء وأمانة جديرين.

ومن بين المقترحات التي يمكن أنّ تدعم المتقاعدين وفق القرار الديواني ما يلي :

 إنشاء صندوق تكافل وطني؛ لتقديم تسهيلات مالية بأقساط ميسّرة وبدون فوائد ربحية، بحيث تمنح التسهيلات للمتقاعدين وفق الأولوية في الضرر نتيجة التقاعد المبكر.

– تكوين إتحاد مؤسسي مشترك بين مجموعة من مؤسسات القطاع الخاص الكبرى؛ لإيجاد مشاريع إقتصادية تتيح فرصة توظيف القادرين والراغبين من المتقاعدين بأجور تتناسب وخبراتهم ومؤهلاتهم.

– إنشاء جمعيات تعاونية عن طريق وزارة الأوقاف والشؤون الدينية؛ لدعم المتقاعدين في الإيفاء بالمطالبات المالية الضخمة كنوع من أنواع التكافل الاجتماعي وفق أسس رصينة.

– تشكيل فرق عمل تطوعية في مجال القانون والمحاماة؛ لتقديم استشارات قانونية وتقديم الدعم والمساندة في حالات القضاء الناجمة عن عدم قدرة المتقاعدين تسديد القروض البنكية، أو أية التزامات مالية أخرى ثابتة.

– إنشاء شبكة مجانية من المتخصصين في مجال الإستشارات النفسية؛ لتقديم خدمات الإرشاد والدعم النفسي للحالات الناجمة عن الضغوط النفسية جرّاء الأوضاع المعيشية والحياتية لما بعد التقاعد.

وفي الختام : إنّ خروج الموظف للتقاعد، عملية تتطلب تهيئة نفسية، مالية، واجتماعية؛ لما لهذه المرحلة من خصوصية تتمثل في أسلوب الحياة ما بعد التقاعد؛ فلضمان انتقال سلس، وآمن للموظف وأسرته من حياة العمل اليومية والإلتزام الوظيفي بساعاته الفعلية، إلى الأريحية في الحياة المعيشية، الأسرية والمجتمعية، والإلتزام المالي.

ينبغي إيجاد نظام تقاعد محكم عادل على مستوى القطاعات أجمع؛ حتى يُعطى للموظف مساحة كافية للتخطيط لمرحلة ما بعد التقاعد، وفق إمكاناته المالية، ظروفه العائلية، وخططه المستقبلية. فمن الخطورة الدخول في هذه المرحلة إضطراريًّا؛ لما لها من تأثيرات نفسية واقتصادية على الموظف وأسرته على حدّ سواء.

وأختم مقالي هذا بحديثين شريفين : فعَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله قَالَ : قَالَ رسول الله ﷺ “مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بالْحُمَّى والسهر(رواه مسلم، والبخاري).

 وعن أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسول الله ﷺ “الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ المرصوص يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا”، وشبك بين أصابعه. (رواه مسلم، والبخاري).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى