أصداء وآراء

قـياس الأداء المؤسـسـي .. “مدخل تحليـلي لمتغـير البيـئة التنظيـمية”..

 

د . سامـية باصـديـق

متخصـصة في عـلم اجتماع التـنـظـيم

جامعـة السـلـطان قـابـوس

 

قـياس الأداء المؤسـسـي..

(مدخل تحليـلي لمتغـير البيـئة التنظيـمية)..

 

“إن ما يمكن قياسه يمكن تطويره، تلك المقولة انعكست في تجربة ولاية مساشوسيتس الأمريكية، فقد كان معدل الأخطاء في الصناعة لتلك الولاية قد بلغ 23%، وهو ما كان يعد الأعلى بين الولايات، وعندما كان يتم قياس هذا المعدل على مستوى الولاية لم يحدث أي تحسن، ولكن عندما تم قياس الأداء بالنسبة لكلِّ منظمة على حدة، أدرك كل مدير أنه سيشار إليه بالبنان بوصفه صاحب أقل أو أكثر نسبة أخطاء، وخلال اثني عشر شهرًا انخفضت نسبة الخطأ من 23% إلى 12%، وبعد 8 أشهر انخفضت النسبة إلى 8% فقط، الأمر الذي يؤكد على أهمية قياس الأداء”.

إن الوقوف على ديناميات التنظيم من أهم متطلبات المؤسسات، ولن يتم ذلك إلا من خلال تفاعل الأبعاد الاجتماعية والتنظيمية في المنظمة كوحدة إدارية، وتعتبر عملية التحليل التنظيمي بمثابة نظرة فاحصة شاملة لكلِّ مظاهر وأجزاء التنظيم، ويرتكز التحليل عامةً على عناصر، من أهمها :

  • تحليل الأعمال والعلاقات التنظيمية.
  • تحليل الأساليب والإجراءات والنتائج والإنجازات.
  • الوقوف على الأوضاع والظروف المحيطة وتحليل الأفراد وأنماط سلوكهم.
  • تعميق النظر في الأسباب التنظيمية للمشكلات التي تعترض التنظيم.

وعليه يتحقق هدف التطوير من خلال الدراسة الشاملة لعناصر المؤسسة ومستوياتها، وتحليل العوامل المؤثِّرة فيها، والبحث عن الأساليب الفعّالة للتحسين. وتعد فلسفة التطوير سياسةً عامة للمنظمة الحديثة، حيث يسود الاقتناع بضرورة التطوير المستمر لكلِّ العاملين في المنظمة من القيادات العليا إلى المستويات التنفيذية في كلِّ مجالات النشاط.

ويعرف الأداء المؤسسي بأنه “تحقيق المنظمة لأهدافها التي قامت بتحديدها في رسالتها؛ من خلال إنفاق مستوى مقبول من الموارد التنظيمية؛ وذلك من أجل تحقيق هدف الاستمرارية والبقاء في الأجل الطويل للمنظمة”.

بالتالي فإن معرفة الأداء المؤسسي تساعد إدارة المنظمة على الوقوف على عدة أمور من أهمها:

  • الكشف عن نواحٍ متعددة مثل تحديد مدى مقدرة المنظمة على التكيُّف والاستجابة إلى المحددات البيئية من خلال وضع الأهداف وبناء الاستراتيجيات وتوظيف الموارد لتحقيق تلك الأهداف.
  • تحديد وبيان مستوى التنسيق بين مكونات المنظمة وتصميمها التنظيمي في تنفيذ الأهداف.

يتم قياس الأداء بناءً على قواعد تقترب من البديهيات المنطقية حيث ينبغي أن يكون الأداء الفعلي ترجمةً فعلية للأداء المعياري؛ فلا يجوز أن يختلفا أو يفترقا، فإذا كان المعيار كميُّا لا يجوز التعبير عن الأداء بصيغةٍ نوعية، لأنه بهذه الصورة سوف يصعب على المنظمة المقارنة بين الأداء المعياري وبين الأداء الفعلي، حيث لن تتمكن من اكتشاف مدى انحراف الأداء عما هو مرسوم له إذا ما كان هناك انحراف.

تختلف طرق قياس الأداء من منظمة إلى أخرى وذلك حسب النشاط والأهداف والمسؤوليات التي تضطلع بها المنظمة، بالإضافة إلى الظروف الخاصة بكل منظمة ونوعية العناصر البشرية التي تنتمي إلى المنظمة، فطريقة قياس الأداء الفعلي لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات تختلف عن قياس الأداء بالنسبة للعمـــال الذين يقضون وقتهم أمام الآلة بالمصنع.

من المعروف أن مدخل تنمية المنظمات كان انطلاقه من الافتراض بأن البقاء التنظيمي والفعالية لا يعتمد على الجوانب العقلانية والكمية فقط ولكنه يحتاج إلى التزامٍ أكثر في الجوانب السلوكية والمعنوية والتي يصعب قياسها مثل الاهتمام بالناس والجودة والمرونة الكافية في مواجهة الظروف الطارئة والمتغيرة.

ومن هنا فإنه من الأهمية بمكان تنوع بنود القياس عبر محورين يعبران عن الطاقة المادية والطاقة المعنوية لأي تنظيم والتي تتمثل في “المتغيرات التنظيمية الرسمية” و “المتغيرات التنظيمية غير الرسمية” لما لهما من دور تنويري في تفسير العملية الإدارية من خلال الآتي:

  • فهم طبيعة المتغيرات التنظيمية في منظمات العمل، ومكونات العملية الإدارية ودرجة إسهامها في الاستقرار التنظيمي، كذلك علاقات التأثير والتأثر بين الأبعاد التنظيمية، وأوجه التقارب والاختلاف بين الواقع العملي والنمط المثالي.
  • التعمق في البناء الإداري والتنظيمي العام؛ وتحليل مكوناته وتقسيماته ودراسة اختصاصاته بالإضافة إلى مقارنة الأفكار والمفاهيم والفلسفات الإدارية الموجٍّهة للنظم الإدارية المختلفة المنصبة على تحليل مفهوم الوظيفة في النظم الإدارية؛ ومقارنة درجات المركزية واللامركزية كنمطٍ من الفكر الإداري.

من الخطأ الاعتقاد بأن زيادة عدد مؤشرًات الأداء تعني إمكانية تحسٌّن الأداء؛ حيث إن الإفراط والمبالغة في مؤشرًاتٍ بعينها على حساب مؤشرًاتٍ جوهرية أخرى لا تقل عنها في الأهمية قد يؤدي في النهاية إلى مؤشرًات تقييم لا تتسم بالتوازن؛ بالإضافة إلى أنه من الممكن أن يبدو في صورة متطرفة عندما يتسلط مفهومه على عقول الأفراد بدرجةٍ غير سوية.

التوازن في التقييم يعتبر أمرا جوهريًّا وذلك يتطلب من الذي يقوم به ألا يبالغ في اغراق نفسه في تفاصيله وجزئياته الدقيقة التي قد تؤدي إلى تغييب المنظمة عن رؤية الصورة الكلية للمتغيِّرات بوضوح وجلاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى