أصداء وآراء

خلاصة المشهد : الصفقة واتفاقات الإسـتـسـلام والتطبيع وشطب القضية .. فكيف يمكن إحباط المشروع ؟!..

      * الكاتـب/ نَـوّاف الـزَّرو

باحث خبير في الصراع العربي الإسرائيلي

 

خلاصة المشهد : الصفقة واتفاقات الإسـتـسـلام والتطبيع وشطب القضية .. فكيف يمكن إحباط المشروع ؟!..

 

إذا جاز لنا أن نكثف المشهد السياسي الفلسطيني – العربي في هذا الزمن نقول : إن خلاصة المشهد هي الصفقة وتفريخاتها من اتفاقات الاستسلام والتطبيع العربي الخياني والعمل في السياق على شطب القضية الفلسطينية.. هذه هي أجندتهم، ولكن إلى أي حد ممكن أن ينجحوا؟! فهذا يعتمد على الحراكات المضادة وفعاليتها وقوتها وزخمها وشموليتها الجماهيرية..!

فإن تخرج صفقة ترامب على ما خرجت عليه صفقة أحادية الجانب صهيونية المحتوى بالكامل، فهذا ليس صدفة، وحينما يكون صهر ترامب – كوشنير – وسفيرهم فريدمان ومبعوثهم غرينبلات فريق صياغة الصفقة، فإن الأمور تغدو أقرب وأوضح، وحينما نعرف أن هذا الفريق من لون واحد يهودي – صهيوني، وأنهم تلقوا فكرة الصفقة ومضامينها من بنات أفكار نتنياهو، فإن الصورة هنا تبدو أكثر وضوحًا وإقناعًا، فما هي خطوط نتنياهو في هذا الصدد ؟

ففي أقرب تصريحاته الواضحة الحاسمة حول الملف الفلسطيني، يقول نتنياهو : ”يجب في الوقت الراهن التركيز بداية على إزالة الخطر الإيراني، وفقط بعد ذلك الإلتفات لحل النزاع”، مؤكدًا في الوقت ذاته : “أن الإتفاق المستقبلي مع الفلسطينيين يجب أن ينص على إبقاء غور الأردن بأيدي إسرائيل، وذلك لمنع نصب صواريخ فلسطينية قادرة على تهديد وسط إسرائيل – “يديعوت أحرونوت”، وقبله كان ليبرمان طالب بشطب القضية الفلسطينية من القواميس الصهيونية، ناهيكم عن كم هائل من الوثائق والأدبيات الصهيونية التي تجمع على الإبادة السياسية للقضية الفلسطينية، بعد أن تمت لهم الإبادة على الأرض هناك بمعنى السيطرة الاستراتيجية الكاملة، فنحن أمام إجماع سياسي إسرائيلي على استحالة التوصل إلى أي تسوية سياسية مع الفلسطينيين، بل إنهم يذهبون أبعد من ذلك بالحديث عن تخليد الاحتلال، واستمرار الصراع إلى قرن كامل من الزمن، بل عن الإبادة السياسية للقضية والحقوق العربية في فلسطين.

فنتنياهو كان أعلن  بمنتهى الوضوح قبل ذلك أيضًا : ”أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي غير قابل للحل ما دام الفلسطينيون لا يعترفون بإسرائيل كدولة يهودية”، مضيفًا : “أن القضية ليست الإنسحاب من كيلومتر هنا أو هناك، ولكنها تتعلق بمصير الشعب اليهودي”، مؤكدًا أن اعتراف “ابو مازن” بيهودية الدولة سيفتح الآفاق للوصول إلى سلام ؟

وكان نتنياهو إستبق ذلك بسلسلة لاءات تكفي لنسف أي تسوية من أساسها، إذ كرر التمسك بـ” القدس موحدة تحت السيادة الإسرائيلية”، وبـ”بقاء الاستيطان” و”تواجد جيش الاحتلال في منطقة الأغوار المحاذية للأردن”، و ”الاعتراف بيهودية إسرائيل” و ”أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح”، مضيفًا : ”أن الصراع مع الفلسطينيين نابع من أنهم ما زالوا لا يعترفون بدولة إسرائيل وهذا ليس صراعًا على (حدود) العام 1967 وإنما العام 1948، وعلى إقامة دولة إسرائيل، ولذلك فإن الأحداث (في ذكرى النكبة) جرت في يوم الإستقلال (الإسرائيلي)، وليس في يوم بدء (حرب) الأيام الستة”، موضحًا : ”أنه لهذا السبب يسمي الفلسطينيون ذلك ‘يوم النكبة’، لكن نكبتهم هي أنه لم يكن لديهم زعماء أرادوا التوصل إلى تسوية، وحتى اليوم لم تقم لديهم قيادة تعترف بإسرائيل كدولة القومية اليهودية، ويحظر علينا أن نغرز الرأس بالرمال، وإنما النظر إلى الواقع بأعين مفتوحة”.

وانضم  نائب نتنياهو وزير الشؤون الإستراتيجية سابقًا؛ الجنرال احتياط “موشيه يعلون” إليهما معلنًا فى حوار مع صحيفة “كوميرساتت” الروسية : “إن حل النزاع الفلسطينى الإسرائيلى أمر صعب جدا”، مضيفًا في وقت لاحق : ”إنه لا يمكن حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في الظروف الحالية، وكل من يحاول عرض حل للصراع يوهم نفسه”.

فيما الكاتب الاسرائيلي آري شبيط يوثق في هآرتس تحت عنوان : ”الحرب والسلام” قائلًا : ”إنه لن يكون سلام مع الفلسطينيين، لا هذه السنة ولا هذا العقد وربما هذا الجيل أيضًا”، مضيفًا : ”حتى لو عاد إيهود أولمرت ليصبح رئيس الحكومة فلن يكون سلام مع الفلسطينيين، وحتى لو عادت تسيبي لفني لإدارة التفاوض مع أحمد قريع (أبو العلاء)، فلن يكون سلام مع الفلسطينيين، وحتى لو سافر يوسي بيلين إلى جنيف وخلا بمحمود عباس على ضفة البحيرة، فلن يكون سلام مع الفلسطينيين”، هكذا إذن حقيقة المشهد السياسي من وجهة نظر إسرائيلية.

وفي هذا السياق الإلغائي، لعلنا نربط ربطًا جدليًا واستراتيجيًا ما بين “شطب القضية الفلسطينية” كما أعلن ليبرمان، وما بين نهج ”الإبادة السياسية للقضية”، وبين ”السلام المستحيل في الأدبيات والاستراتيجيات الاسرائيلية…!”.

فحينما يعترف ليبرمان خلال مقابلة أجرتها معه صحيفة يديعوت أحرونوت ”أنه يريد محو القضية الفلسطينية من قاموس وزارته”، مضيفًا : ”يهمنا إزالة الموضوع الفلسطيني عن جدول الأعمال بقدر ما نستطيع، وهذه أجندة سياسية بالأساس”، مؤكدًا : لا يوجد احتمال للتوصل إلى أي اتفاق شامل بإمكانه حل المشاكل بعد 16 عامًا آخر أيضًا”، فإن هذا الإعتراف يضعنا أمام تحديات كبيرة لم يرتقِ العرب حتى اليوم إلى مستوى التصدي لها، ولو جاء الإعتراف في زمن عربي آخر مختلف عما نحن فيه اليوم، لاختلفت أيضًا المواقف والردود العربية، ولربما تحركت جيوش وجيوش…! أما ما هو ذلك الزمن العربي الآخر فهذه مسألة تمس صميم الأنظمة والسياسات والإرادات العربية السيادية الحرة الأبية.

ونقول : إن سياسة شطب القضية بكافة ملفاتها راسخة في أدبيات ومخططات المؤسسة الصهيونية، منذ أقيمت تلك الدولة المختَرَعَة، فهي بالتالي ليست موقفًا ليبرمانيًا صرفًا كما  يحاول البعض أن يروج، وإنما هي  قضية وأجندة إجماع سياسي إسرائيلي متكامل، يمتد من الحائط اليساري إلى أقصى الحائط اليميني.

وفي هذا الجوهر يقطع أوري أفنيري في مقال نشر مترجمًا في القدس المقدسية في وقت سابق: 27/5/2012 متسائلًا : ”كيف يمكن إقامة دولة يهودية في دولة يسكنها شعب آخر…؟! موضحًا الرد : ”لكن هذا لم يكن إلا ما يبدو على السطح، ففي مكان ما تحت السطح تجد الصهيونية الرد، وهو ما يتضح من تلقاء ذاته، بأنه لا حاجة إلى التفكير في الموضوع، وقلة كانت لها الشجاعة للإعراب عنه صراحة؛ إنه مكتوب في “الرمز الجيني للحركة الصهيونية، وبالتالي في وليدته دولة إسرائيل، وهذا الرمز يقول : دولة يهودية على كل أراضي إسرائيل، وبالتالي : معارضة كاملة لإقامة دولة فلسطينية، في أي وقت، وفي أي مكان في البلاد، وبأي ثمن”، مؤكدًا : ”وتبدو سياسة إسرائيل الصهيونية مثل نهر ينطلق نحو البحر، وعندما يواجه عقبة، يدور حولها، ينقسم الممر إلى اليمين وإلى اليسار، وأحيانا إلى الخلف، لكنه يحتفظ بتصميمه العجيب نحو الهدف، والهدف المطلوب هو قبول كل تنازل يمنحنا ما يمكننا أن نحصل عليه في أي مرحلة، ولكن من دون أن نحيد عن الهدف النهائي على الإطلاق، هذه السياسة تسمح بالتنازل عن كل شيء؛ إلّا واحدًا : “دولة عربية فلسطينية تؤكد وجود شعب عربي فلسطيني”. وهم هناك في المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية يربطون عمليًا ما بين ”السلام المستحيل”، وما بين ”الإبادة السياسية والاستراتيجية للقضية والحقوق العربية في فلسطين” في الاستراتيجيات الاسرائيلي.

ويبقى السؤال الكبير يبحث عن البدائل، وتبقى الكرة في الملعب الفلسطيني العربي الدولي، فعلى قدر ما نستحضر من أوراق القوة والضغط والفعل الحقيقي على قدر ما  نتقدم في القضية…!

 

 

* تم نشر المقال بموافقة الكاتب..

* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن “أصــداء” بل تعبر عن رأي الكاتب..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى