أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

عـزوفُ الشَّـبابِ عن حضـورِ المـناسـباتِ..

عـصـام بن محـمـود الرئيـسـي

مدرب ومحاضر في البروتوكول والإتيكيت المؤسسي

 

عـزوفُ الشَّـبابِ عن حضـورِ المـناسـباتِ..

 

يعتبرُ حضورُ المناسباتِ واللقاءاتِ الاجتماعيّةِ بأشكالها المختلفة من الأمور المهمّة التي لها دورٌ كبيرٌ في الجوانب الاجتماعية والنفسية من حياة أي فرد في المجتمع ولمختلف الأعمار -خاصة فئة الشباب- ، وهي تضفي على أرواحنا نوعا جميلا من الصفاء والمحبة والقربى مع من حولنا من البشر ، وتعزّز فينا التواصل مع الآخرين بكل ثقة واطمئنان.

وعلى الرغم من قلة التواصل بين البشر بسبب مشاغل الحياة المتزايدة ، وضعف الروابط المختلفة الذي أدى وبكل وضوح إلى عزوف الشباب عن حضور تلك المناسبات ، ووضعهم إياها ضمن الجوانب الثانوية في حياتهم الاجتماعية ، واكتفائهم بوسائل التواصل الإلكتروني كبديل عن حضورهم الشخصي ، إلا أنه يجب أن نعزز في أذهاننا أهمية حضور المناسبات الاجتماعية ، وأن نضعها من ضمن أولوياتنا.

وقد حث ديننا الإسلامي الحنيف على صلة الرحم ، وحضور مناسباتهم
قال الله تعالى في سورة الرعد : (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) ، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) ،
وفي هذا المقال سوف نتطرق إلى هذا الجانب من العزوف لدى الشباب لمعرفة جزء بسيط عن الأسباب ، والعلاج المقترح حيث تحتاج مثل هذه المواضيع العديد من الدراسات المتعمقة للخروج بنتائج أكثر عمقاً ، وسوف نستعين في ذلك من خلال رصد آراء بعض الشباب ممن لا يحبذون حضور مثل هذه المناسبات الاجتماعية ، سبيلاً في التوضيح بشيء من التفصيل لهذا الموضوع.

يقول راشد (25 عاما) باحث عن عمل : أنا إنسان خجول وكلامي وخروجي من المنزل محدود للغاية ، وأقضي معظم وقتي مع جوالي فقد أصبح أعز أصدقائي.

في السابق كنت أحضر بعض المناسبات وخاصة مناسبات الأعراس ، وكذلك مجالس العزاء ، وأكملت الآن أكثر من سنتين لم أحضر أي مناسبة متعلّلاً بالعديد من المبررات لمن حولي ، حاولت أن أحضر مناسبة من أيام ، وعندما عندما هممت بالخروج شعرت بشيء من الخوف والتوتر الشديدَيْن من ذهابي لمقابلة الناس ، وخاصة التجمعات الكبيرة ، فغيرت رأي عن الخروج في ذلك اليوم.

ويقول محمد (30 عاما) موظف في القطاع الخاص : ليس لدي وقت للزيارات الاجتماعية ؛ فأنا دائما مشغول ، وأزور أقاربي كل سبعة أشهر ، وفي الأعياد فقط ؛ حيث إنني أدير مؤسسة ضمن المشاريع المتوسطة ، وأعمل على فترتين ، وأول ما يتوفر لدي بعض الوقت أُرَفِّه نفسي قليلا أو مع أصدقائي ؛ إلا أنني متواصل مع أقاربي بالرسائل عن طريق الجوال للاطمئنان عليهم.

وذكر سعيد (19 عاما) طالب جامعي بأنه لا يحب حضور المناسبات الاجتماعية إطلاقا ؛ إلا أن والده يجبره على مرافقته في بعض منها ، وخاصة مجالس العزاء ، ويذهب مجبرا على ذلك ، ويقول : إنَّ السبب في ذلك الانتقادات المستمرة بدون مبرر من قِبَلِ الأرحام وخاصة كبار السن منهم ، ويضطر في بعض الأحيان إلى تقمُّص شخصية من جيلهم لكسب رضاهم ، إلا أنه يشعر بالضجر من ذلك ؛ لهذا فإن خروجه وحضوره لتلك المناسبات قليلٌ للغاية.

تقول جوهرة (22 عاما) طالبة جامعية : يشترط جدي عند زيارته مع حضور أعمامي وعماتي وبعض مِنْ أخوالي وخالاتي في التجمعات العائلية أن يسحب منا الجوال ، ويقفل شبكة الواي فاي ، وينتقد حمل الجوال ويعتبره من الملهيات ، وهذا أمر يزعجني ويركز علينا نحن الأحفاد ؛ لهذا أعتذر من والدي من الحضور ، إلا أنهم يجبروني على ذلك ، وأحضر بمزاج غير طبيعي ، وأنتظر بفارغ الصبر نهاية الزيارة.

ويقول أحمد (26 عاما) موظف : عندما أحضر المناسبات مع الأهل والأرحام ؛ لا بد وأنْ أهيِّئ نفسي تماما ؛ لأن المناسبة ستطول بدون شك ، وأجلس صامتا معظم الوقت ، وأمنع نفسي من التحدث كثيرا ؛حتى لا أقع في إساءة الفهم والنقد من البعض ؛ لأن ذلك يضايقني كثيراً ، وأشعر بالمهانة والاكتئاب وقد يستمر معي لأيام.

وتقول ريم (17 عاماً) طالبة : أنا لا أحبّ حضور المناسبات والتجمعات ، وخاصة مع الأهل ؛ بسبب أننا في زعل دائم مع بنات عمي وخالاتي لمواقفَ قديمةٍ عصفت بعلاقاتنا ، وأرى بأن حضوري سيسبب تجدد الخصام ، وأفضِّلُ عدمَ الذَّهاب.

عند تلخيص مسببات عزوف تلك العينات من الشباب عن حضور المناسبات الاجتماعية سنجد بأن المسببات تتلخص بالآتي :

– الابتعاد عن الناس فترة طويلة ، وهذا يسبب ضعف القدرة على مواجهة الناس فيما بعد وحضور مناسباتهم ، وسيجد صعوبة لإيجاد مبررات كافية عن غيابه عند سؤاله من قبل البعض.

– إن إعطاء الإنسان جُّلَّ وقته للعمل ؛ يسبب العديد من المشاكل الصحية والنفسية ، ويؤثر على علاقاته الاجتماعية ؛ لهذا لا بد من تنظيم الوقت الصحيح في توزيع ارتباطه بطريقة منطقية وعقلية.

– كثرة الانتقاد من البعض للشباب أثناء حضورهم المناسبات الاجتماعية تنفرهم وتبعدهم عن الحضور.

– تعَلُّق العديد من الشباب بالأجهزة الإلكترونية ، وعند حضورهم لتلك المناسبات قد يتم منعهم أو انتقادهم بحمل تلك الأجهزة ، وهذا أمر يضايقهم.

– إساءة فهم الشباب من قبل البعض عند حديثهم ومشاركتهم الآراء.

– الخصام المستمر بين العائلات والأرحام يولد القطيعة ، ويمنع الشباب من حضور المناسبات المختلفة خوفا من تجديد تلك المشاكل وأسباب الخصام.

– الاختلافات الفكرية بين الأجيال ، والتقنية الحديثة متمثلة في رسائل الجوال ، والتهنئة عن طريقه كونها أقرب وسيلة للتواصل ؛ أدَّتْ إلى تفاقم المشكلة.

– عدم وضوح مفاهيم الترابط الأسري ، ومفهوم العائلة والأقارب وأهميتها لدى الشباب.

الـحـلـول :

– تشجيع الشباب وحفزهم على حضور المناسبات ؛ لمنعهم من العزلة الطويلة.

– التقليل من الانتقاد لهم أثناء حضورهم المناسبات.

– توضيح أهمية لقاء الأسرة ، وخاصة من كبار السن ، وتوجيههم بضرورة احترامهم ، والإيضاح لهم بطبيعة شخصيات كبار السن ، وتقبل ملاحظاتهم عن رغبة وحب لما فيه مصلحتهم.

– على الشباب عدم إعطاء تلك المسببات أكبر من حجمها.

– عدم التكلف والمبالغة في الرسمية من قبل بعض الأسر في تنظيم تلك الزيارات ، وأنْ تكون ذات طابع بسيط ، وهذا يساعد ويشجع على جذب الجميع لحضورها.

– القيام بعمل خطوات محفزة تستهدف الشباب كتنظيم بعض الفعاليات فيما بينهم ووضع جوائز لها.

– على الآباء عند تنشئة أبنائهم توضيح الدور المهم الذي يلعبه أقاربهم في حياتهم ، حتى لو كانت هناك مشاكل بين الأقارب ؛ فيجب عدم مناقشتها في حضور الأبناء.

– على الأسرة الدور الكبير في زرع الانتماء للعائلة الكبيرة وللمجتمع لربطهم بالجميع من خلال حضور المناسبات المختلفة.

وأخيرا ومن وجهة نظر الكاتب كدارس في علم الاجتماع ؛ تكمن أهمية حضور المناسبات الاجتماعية واللقاءات العائلية بالتحديد ؛ في أنها تساعدنا لمعرفة أخبار أرحامنا وأصدقائنا ، والاطمئنان عليهم ، وتبادل المعرفة ، وأن وجود كبار السن في تلك المجالس ؛ هو بمنزلة نهل الحكمة من قبل رجال عاصروا الحياة بحلوها ومرها ، والجلوس معهم له فوائده العظيمة ؛ فهم أصحاب تجربة في الحياة ، ولا يمكن أن ننفر منهم ونعيش في معزل عنهم ، وهناك أيضا جوانب لا يمكن أنْ نغفل عنها لها المردود الإيجابي من حضور المناسبات ونلخصها في الآتي :

– لها دور كبير في تعزيز الصحة الجسدية والنفسية والعقلية للفرد.

– تقوية الأواصر العائلية وترابط الأجيال ، وبالتالي تقوية أواصر المجتمع بأكمله.

– تدعم مفهوم الذات لدى الأشخاص وخاصة فئة الشباب.

وأخيرا فلنحرص على حضور تلك المناسبات وخاصة العائلية منها ، من أجل مجتمع سعيد تسوده المحبة والوئام.

وعلى الخير نلتقي، وبالمحبة نرتقي..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى