أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

سعـيد المقـيـمي .. هـمّـة تبلـغ عـنان السـماء..

الإعـلامي/ زاهـر بن حارث المحـروقي

 

سعـيد المقـيـمي .. هـمّـة تبلـغ عـنان السـماء..

كم كان حكيمًا شاعر العرب أبو الطيب المتنبي عندما قال :
عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ ..
وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ.
وقد تمثلتُ هذا البيت، وأنا اقرأ عن المواطن العماني البسيط سعيد بن حمدان المقيمي، الذي بعزيمته وهمته، حوّل بعض الأفكار شبه المستحيلة – في نظر البعض – إلى حقيقة واقعة، عندما قام بشق طريق من قرية “حلّوت” بجبال نيابة طيوي إلى قرية “العود” التابعة لوادي بني خالد، بمسافة تقارب 9 كم، واستغرق العمل فيه 7 أشهر، واختصر على الناس الوقت من 3 ساعات ونصف إلى نصف ساعة فقط، ومن قطع مسافة 200 كم إلى 10 كم. ولم تكن تلك هي نهاية القصة؛ فالرجلُ – بالإضافة إلى جهده الشخصي – قام بعمله ذلك من ماله الخاص، عندما اشترى حفارًا من مال حصل عليه من جائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي، فاز بها عام 2019، بعدما شقّ طريقًا جبليًا بجهوده الفردية إلى قريته “الجيلة” دون كلل أو ملل “بزاد يومي لا يتجاوز التمر والقهوة فقط”، وقال المقيمي : إنّ الطريق الذي يسلكه الأهالي من قرية الجيلة بعيد، كما أنّ دورانه وشدة انحداراته ومخاطره، هو ما دفعه إلى شق الطريق مهما كلفه الأمر، بعدما رأى معاناة الأهالي، خاصة الطلبة الذين يبدؤون رحلتهم اليومية في الثالثة والنصف قبل أذان الفجر، مع البرد القارس، ليصلوا إلى المدرسة في طيوي عند السابعة صباحًا، وكثيرًا ما تألم لهذا المشهد.

في اعتقادي أنّ سعيد المقيمي – بإنجازاته هذه – قدّم دروسًا كثيرة، أهمّها أنه حوّل الفكرة إلى إنجاز، بدلًا من أن يلعن الحكومة ليل نهار، وهو ما حثّ عليه قديمًا الحكيم كونفوشيوس عندما قال : “بدل أن تلعن الظلام، أوقد شمعة”؛ فالأفكار موجودة بكثرة، لكن الأشخاص الذين يحوّلونها إلى إنجازات نادرون.

وقد قرأتُ منذ فترة “أنّ الجميع ينتقد، والبعض يقترح، لكن القليل منهم من يعمل”، ولا أذكر النسبة المئوية لذلك، ولكن فيما أذكر أنّ نسبة من ينتقد تصل إلى 97%، فيما تصل نسبة أصحاب الاقتراحات 2%، بينما تصل فئة من يعمل 1% فقط، وقد تكون النسب فيها بعض المبالغات، ولكن في ظني أنّ نسبة فئة التي تعمل قد تكون صحيحة؛ لذا أعتقد أنّ التركيز على أصحاب مثل هذه المبادرات وتشجيعها واجب على وسائل الإعلام المختلفة.

لفت سعيد بن حمدان المقيمي الأنظار بفوزه بالمركز الأول بجائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي للفترة السادسة، بعد أن شقّ عددًا من الطرق الجبلية، وهو الذي تحدّث لجريدة عُمان عن مبادرته : “أطلقتُ مبادرة لشق الطرق في جبال نيابة طيوي، حيث يتم ربط بعض القرى ببعضها بطريقة تختصر المسافة والوقت، وقد وفقني الله سبحانه وتعالى لعمل الخير، وأعانني عليه ومنحني الصبر لمواصلة المشوار .. وفوزي بهذه الجائزة هو حافزٌ لا يقدّر بثمن، وإنَّ هذا التكريم هو بمثابة الحافز المشجّع لي وللآخرين، لأجل الوقوف والتعرُّف على مدى حاجة الناس وحاجة البلد إلى العديد من الخدمات، كما أنّ هذه الجوائز والمبادرات تجعل المجال مفتوحًا لمن أراد أن يساهم في بناء هذا الوطن وخدمة المحتاجين من المواطنين وغيرهم”؛ لذا لم يكن مستغربًا أن يحقق مشروعه المركز الأول : “لاحظتُ صعوبات عديدة تكمن في عملية تنقل أهالي القرى الجبلية من وإلى مركز النيابة في طيوي، وذلك نظرًا لبعد الطرق الحالية وشدة انحداراتها وانقطاعها في حال هطول الأمطار ونزول الأودية والشعاب، ولذلك عزمتُ على مباشرة هذه الأعمال، حيث اشتريتُ حفارًا لشق الطريق، وكنتُ بنفسي أقوم بين الوقت والآخر بقيادته وإنجاز العمل متى توفرت لي الظروف والأوقات الملائمة”.

حقيقة إنّ جهود المقيمي هي جهود كبيرة، يدرك تلك الجهود من سبق له أن زار تلك المنطقة سابقًا؛ فأذكر أننا زرنا نيابة طيوي في الثمانينيات من القرن الماضي، ورأيتُ فعلًا معاناة المواطنين في التنقل من قرية لأخرى، وما يتبع ذلك من التعب في نقل الأمتعة ومتطلبات الحياة اليومية، وذهبنا إلى قريبة “ميبام” التي تبعد عن نيابة طيوي بحوالي 11 كيلو مترا، وكان يوماً ثقيلاً علينا، بسبب وعورة الطريق إليها ذهابًا وإيابًا مشيًا على الأقدام، قبل أن يتم رصف الطريق، ويتم الوصول إليها حاليًا بسيارة الدفع الرباعي.

ومثل هذه القرى المتناثرة في الجبال كثيرةٌ في عُمان، ولا أدري هل يحتاج الأمر أن يزورها مهاتير محمد حتى يلفت انتباه المسؤولين إليها، أو يكون هناك أكثر من سعيد المقيمي؟ فعندما يتم التقريب بينها في المسافات، ستشكّل معالم سياحية كبرى في عُمان، ولا بأس أن يتم العمل فيها بصخب، إذا كان المردود إيجابيًا، منها – على سبيل المثال فقط – قرية “الميسين” الأثرية التي تقع في ولاية نخل، وتمتاز بموقعها الجغرافي، حيث تقع بين الجبال وتتوسط وادي الميسين، ولا تصل السيارة إليها، وتبعد عن قرية “طوي القصفة” التابعة لولاية نخل حوالي 12 كم، وتستغرق 3 ساعات مشيًا على الأقدام، ولها طريق آخر جبلي من بلدة سيجاء بولاية سمائل – كما غرد سعيد اليعربي – في ٢٧ يونيو ٢٠٢٠، بعد أن قام مع فريق “البواسل للمغامرات الجبلية” بتنفيذ مسار إلى القرية عام 2019.

ولنا أن نتصور ماذا لو كان هناك طريق يربط بين ولاية نخل في محافظة جنوب الشرقية بولاية سمائل بمحافظة الداخلية على امتداد 12 كيلو فقط ؟، وكذلك لنا أن نتصور ماذا لو كان هناك طريق يربط بين قرية “وكان” في جنوب الباطنة بقرية “المناخر” في الجبل الأخضر، التي يقطعها هواة المشي بالأقدام في ساعات ؟.

في العام الماضي قمتُ وبعض الأصدقاء بجولة جبلية من ولاية الحمراء بمحافظة الداخلية، مرورًا بجبل “هاط” وقرية “بلد سيت” حتى ولاية الرستاق بمحافظة جنوب الشرقية، وعندها تذكرتُ ما قاله لنا الزميل الإعلامي الراحل صبري يس، حين قال بعد زيارة للجبل الأخضر في الثمانينيات من القرن الماضي، إنّ جبال عُمان والجبل الأخضر بالذات، تشكّل مصدرًا كبيرًا للدخل قد يفوق مصدر النفط، إذا تم استغلالها الاستغلال الأمثل، وما قاله صبري يس تذكرتُه أيضًا وأنا أزور جبل شمس، وسرح خيالي بعيدًا وتخيلتُ ماذا لو بُنيت فوق تلك القمم المتنزهات والاستراحات، وفُتحت المطاعم وأقيمت الخيام، وماذا لو أقيمت القاطرات المعلقة (التلفريك) وهي وسيلة نقل مهمة تعمل أساسًا في المناطق الوعرة، التي تكثر فيها الجبال والمرتفعات، فتسهل من ربط القرى ببعضها، وتُستخدم في كثير من دول العالم وسيلة للترفيه ولمشاهدة المناظر الطبيعية؛ خاصة وقد شاهد الكلّ الثلوج في الجبل ؟ ماذا لو تم ذلك وغير ذلك ؟، ألن تشكّل تلك الإنجازات مصدر دخل كبير للدولة ؟، وأكيد أنّ المسؤولين عن السياحة لا يحتاجون التذكير مني بجمال هذه الجبال وتنوعها وتنوع طقسها وتضاريسها من مسندم حتى صلالة.

يُحسب لسعيد بن حمدان المقيمي – بإنجازاته تلك – أنه عرّف بكنوز عُمان الجبلية، وبأنّه عندما تُخْلِص النية وتوجد الإرادة فإنّ ذلك كفيلٌ بتحقيق المستحيلات، وكما ذكر محمد البرمي في تحقيق لجريدة الرؤية يوم 8 ديسمبر 2019 تحت عنوان “ليس أعظم عند الإنسان من أن يحقّق غدًا مشرقًا”.

إنّ حكاية سعيد المقيمي تصيب من يتعرف عليها بالدهشة والانبهار، لكنها ليست قصة تروى من باب المبالغة؛ فهي حقيقة ثابتة وحيّة، لمواطن قرر الاستقالة من عمله، حيث الوظيفة والراتب الثابت والحياة المستقرة، ليتفرغ لشق الصخر وتحمّل المصاعب أعوامًا كاملة، دون أن تفتر قواه، أو يشكو من التعب؛ وفوق ذلك يقترض 20 ألف ريال ليكمل ما كان قد قرره من أجل الخير، في سبيل أهله ووطنه وقريته الصغيرة.

ولكن قبل الختام؛ يحقّ لنا أن نتساءل تساؤلاً بريئًا، كم كان شق هذه الطرق سيّكلف من ميزانية الدولة لو أنّ الأمر طرح للمناقصات ؟ وكم كان سيستغرق العمل ؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى