أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

شـجـرة الـصـفـصـاف..

ياسمـين عبدالمحسـن إبراهـيم

صانعة محتوى ، ومدربة في مجال اكتشاف وتنمية الذات

 

شـجـرة الـصـفـصـاف..

 

في أرض طيبة تنعم تربتها بالخير الخصب ذاعت شهرتها بأرض النخيل، عرف عن أرض النخيل بالجود والكرم والإحسان، فما من مار بها إلا وهو ينعم بكرمها ويذهب عنها وهو مجبور الخاطر، فالأهل والأرض والسماء كلهم بنفس الجود والإحسان، ساحرة بطيبها، آخذة برحمة قلوب ساكنيها، آثرة بصفاء سماءها، وكأنهم جزء من رحمة الله في أرضه.

يحتاج النخيل إلى الصبر والعناية وهذا أكثر ما يتميز به أهل هذه الأرض، وحتى عطاء النخل كريم، كقلوب ساكنيها.

عادة أهل هذه الأرض الترحيب الكبير بالضيوف والزوار، حتى إنهم كثيرا ما يشاركون أجزاء من تربتهم مع غيرهم، وهذا ليس معهود لأصحاب الأراضي، ولكنهم من أرض طيبة، فسماتهم تنبع من أرضهم.

في يوم من الأيام غير مشمس زارتهم شجرة صفصاف، جاءتهم وهي ليست في أفضل حال، ولكن لقوتها ولصلابة لحائها، لم ينتبه أحد إلى هلاكها القائم داخلها، رحبوا بها كثيرا، وأعدوا لها مكانا خاصا يليق بتلك الشجرة العملاقة التي تأتي وتترك أرضها لتظلل عن أهل أرضهم وتقيهم حر الشمس الحارقة، أمضت معهم عام، يستظلون بها، ولكنها تشعر بأنها تملك المزيد من الخير والطاقة بداخلها ولكنها تحتاج إلى مكان اخر في هذه الأرض يناسب شغفها ويحتضن جذورها.

جاء إليها شيخ هذه الأرض فهو حكيم لين القلب ذو هيبة وشموخ، قالت له سيدي لكم شعرت أن لدي خير كبير وأريد أن استخرجه قبل أن أهلك وتذبل جذوري، نظر إليها برحمة وقال لها، هذه الأرض الطيبة ملك للجميع، من أراد أن يعمر فأهلا به، ومن أراد غير ذلك فله منا ما لا يرضيه، أحسني الاختيار، وتوكلي على الله أيتها الشجرة المباركة.

كانت تخاف المغامرة، هي الآن مستقرة كالعديد من شجر الصفصاف حولها، ولكن بحثها حول ما تملك بداخلها قد يكلفها الكثير من الوقت والجهد، وقد يؤول كل هذا المجهود بلا شي.

الجميع حذرها من تلك المغامرة، وطلبوا منها أن تكتفي بكونها شجرة يستظل بها، فلطالما عرفت أرضها بشجر الصفصاف المظلل، فلماذا تحاول تغيير الأقدار والبحث عن المتاعب ؟.

إلا شجرة صفصاف صغيرة، ظلت تشجعها على ما تعتقد أنها تملكه، قالت لها عزيزتي كلنا هالكون، فلتمنحي جذورك حياة حقيقية تستحقها ولو لمرة واحدة.

انتقلت شجرة الصفصاف إلى مكان آخر في القسم الشمالي من تلك الأرض الطيبة يحوي على الكثير من الماء حتى تمنح لفروعها ولحائها الظروف المناسبة لهما.

في البداية تحمس الجميع لتلك المغامرة التي بدأت فيها شجرة الصفصاف العملاقة، ولكن بعد فترة خملت زهوة الحماسة، وعاد الجميع من جديد يؤنبها ويلومها على تلك الخطوة، فهي وبعد مرور الكثير من الوقت واستهلاك الكثير من الطاقة والجهد لم يظهر لها من تلك الخيرات التي تزعم أنها بداخلها من شئ، كأرض جرداء لا زرع فيها ولا ماء، وأخبرها أحدهم بأنها عليها أن تعود لوظيفتها الأولى ولتكف عن الهراء، فما تفكر فيه ما هو إلا أوهام ليس أكثر.

كان كلامهم يحزنها كثيرا، ولكن هي دائما تتبع رسائل الله بين الأنفاس، وكان هناك صوتا يخبرها بأن حاشاه جل علاه أن يحيي فيك أملا ثم يقتله، لم تمتلك من الدنيا غير تلك الشجرة الصغيرة التي لا تقوى على مساعدة نفسها حتى، ولكن كانت ملهمتها.

وبين ليلة وضحاها، اقترب منها مجموعة من علماء هذه الأرض المباركة وقطعوا جزء من لحائها ليضعوه كضمادة لجرح أحدهم فلتأم الجرح فصاح الجميع يا لهذه الشجرة، يمكننا استخراج منها الكثير لعلاج الأمراض.
هنا سجد قلب تلك الشجرة المسكينة شاكرا لربه، الذي لم يخذله، الذي نصره رغم زعمهم باستحالة الأمر، فليس هناك عنده مستحيل.

تأكدت أنها لم تخلق ليستظل الناس بها فقط، كما أخبرها قلبها منذ لحظاتها الأولى، فهي طالما بحثت عن عميق الأثر، أرادت أن تداوي الجراح، وتساعد في شفاء المرضى.

ربما يدوم ذلك، وربما ينتهي، وفي كلا الحالتين يكفيها بأنها منحت قلبها الفرصة ليعيش بين التحديات وينعم بالنصر في لحظات، لا أن يموت متمنيا أن لو كان فعل، أو متحججا بضيق الحال وقلة الفرص؛ لم يمحنها أحدهم فرصة، بل هي من صنعتها بعون الله ثم دعم صغيرتها.

لا تزهر الورود إلا في تربة كريمة قوية، ولا يهر الشوك إلا في أرض بخيلة عصية.
فالسلام على أهل هذه الأرض الطيبة المباركة، التي ترحب بالجميع، وتمنح الخير، وتكرم المارين والمقيمين من كل ملة ودين، السلام عليها وعلى حاكمها وعلى أهلها إلى يوم الدين.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى