أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

رويـدك سـتـخونك قـواك..

حبـيـب بن مبـارك الحبـسـي

 

رويـدك سـتـخونك قـواك..

 

ما أضعف الإنسان وما أشد بطشه وفتكه (وخلق الإنسان ضعيفا) هذه حقيقة، ولكن الحقيقة التي نتعايش معها أننا أقوياء صحة وقوة ومالا وأولاداً، ولا نفيق إلا عندما يداهمنا المرض وكبر السن، ونشعر عندها بحاجتنا إلى المساعدة في الخدمات الضرورية لحياتنا، ولإخلاص ووفاء الأبناء.

نكبر وتزداد همومنا ومتاعبنا وتكبر أجسامنا؛ إلا أفكارنا وقلوبنا تغلب عليها جنوح القوة في التحاسد والتباغض مثل عضلاتنا المفتوله بالشباب.

إذا أردت أن تعرف لسرعة حياتك وتغير ما سيعتريك من مرض وضعف؛ بادر بأن تزور شيخاً في فراشه وخذ العِبّر من تقدم عمره؛ إن هذا الرجل كان يحلم مثلنا عندما كان شابا وبعافية، أرأيت هذه المرحلة كيف تتحول من ضعف ثم قوة ثم ضعف ؟!، ورأيت كيف تحولت حياته إلى تعطيل قواه .. حسب كل عضو .. بعضهم وصلوا لمرحلة تقضى عنهم فضلاتهم وانكشاف عوراتهم بعدما كانوا يصولون ويجولون ويمر عليك شامخا .. تلك النفوس عند البعض كانت متعالية .. فظة في تعاملها وصل بها الحال أنها عاجزة عن لملمة نفسها بثوب الستر.

آلمتني مشاهد لاشخاص تمردوا على والديهم وقت ما كانوا محتاجين إليهم .. كان صمت الوالدين كردة فعل أصدق من بلاغة الأديب والشاعر، وكان ثمن تساقط حبات البرد من العين أغلى من تبر الأرض، وكانت حرقة القلب أشبه بمدينة أشباح في قلوب الآباء.

هذه القوى التي مَتَّعَنا بها الرحمن تحتاج إلى شكر، وهذه القوى حتما ستضعف؛ كلها مسألة وقت .. لا نغتر هذه دورة.

فالأب والشيخ الطاعن يحتاج إلى رد جميل التربية، وفرحة القلب بابنه على الدنيا يحتاج إلى ثمن يدفع وقت كبر الآباء.

هذا الأب يحتاج إلى ستر من أبناءه وليس من الغريب، وياتي في هذا المقام عند البعض بتوفير عامل يقوم بخدمته .. هذا الأب لا بد أن نفرح معه ونعيش مرحلة الشيخوخة بجانبه؛ فهو في عالم أصحابه رحلوا وما تبقى له أبناؤه يقفون بجانبه لحظة ما هو محتاج لهم.

لا تستغرب ولا تتفاجأ ستدفع ثمن هذه المعاملة الفظة إن كنت مقصراً عاجلاً غير آجل، تلك النفس الناكرة للجميل .. ستذوق يوما ما مرارة ما أضاقت به الوالدين؛ حتماً؛ هذا دين وما علينا إلا أن نهيي أنفسنا ونتقبل هذا الدور الإنساني المشرف الذي يجب أن نغرسه في أبنائنا ونعلمه لهم.

لا تفرحوا بصحتكم حتما سيصيبها المرض، ولا تتفاخروا بعافيتكم؛ أمر قادم سيعتليها الوهن وتخونكم، ولا تتفاخروا بأبنائكم؛ سيغادرون البيت يوما وينشغلون بأبنائهم ويتصنعون لكم الأعذار .. وإذا كنت مقصراً في حق والديك أول من يتذمرون هم أبناؤك .. ولا تتعالى فوق الآخرين وفوق والديك وإخوانك؛ فإذا أصيب هذا الجزء الكبير فحتما ألقيت بنفسك في بئر الإهمال التي لن يقترب للارتواء منها حتى الأبناء، والأصحاب كلهم يخافون العدوى منك.

استحضرني مشهد من ردة فعل أحد الأبناء، واعتصرني ألما وانقباض في القلب من ردة فعله لسلوك أبيه مع كبره في السن حينما كان الأب عاجزا لينهره ليستقيم عوده بعد أن خذلته قواه .. الأب ليس في ذهول بل كلنا أصبحنا مذهولين من ردود أفعال أبنائه؛ لماذا هذه القسوة وعدم اللطافة، سحقاً لردود أفعال الأبناء التي أدمعت عيون الآباء، وسحقا لمن أنكر فضل الوالدين، وسحقا لمن تلفظ عليهم بما هو سيء من القول، هذا العقوق لا ينبغي أن يتوالد؛ لأننا وسط أزمة سنمر بها جميعا إن كتب الله تعالى لنا طول العمر.

من يدرك والديه أو أحدهما ويرعاهما وهما في الكبر سيدرك قيمتهما، وسيتعامل مع من حوله بلطف، ويراعي ظروف حالات كبر السن التي يصادفها.

ماذا تعرف عن مرحلة الإحسان للأب مع كبر سنه ؟؟ أنك تقف إلى جانبه، تغسله وتحميه، تلبسه، تطعمه، تجلس معه تفرح لفرحه وتسليه .. ليس المطلوب منك إلقاء السلام وكأنك تحمل رساله بعد ٥ دقائق وتغادر.. احذر من المنطقه الحرجه التي ستصيبك.. إحذر من التأفف عندما تقضي لوالديك احتياجاتهما الخاصة.

لحظة من فضلك الأم والأب بعد فترة سيرحلون، ولن تجدهما؛ ستجد تقصيرك يلازمك، وستجد ضيقك .. عصبيتك تصاحبك، وستجد نفسك لأتفه الأسباب تنفعل، وستجد نفسك لا تدري ماذا بك، وإذا وصلت لمرحلة أن تكون مقعدا وكنت تعامل والديك بفتور ولم تقف معهما وتصطنع الأعذار حتما سيعاملك أبناؤك بأسلوبك نفسه مع والديك؛ الجزاء من جنس العمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى