أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

ما بيـن حـرق القـرآن والتـوراة..

الإعلامي/ زاهر بن حارث المحروقي

 

ما بيـن حـرق القـرآن والتـوراة..

 

نجح الكيان الصهيوني في منع حرق نسخة من التوراة في السويد، حسبما كان مخططًا له يوم الجمعة الثامن والعشرين من يوليو 2023، بعد أن تحدّث إيلي كوهين وزير خارجية الكيان مع توبياس بيلستروم وزير الخارجية السويدي، وأوضح له أنّ إسرائيل تأخذ على محمل الجد استخدام التهديدات لحرق التوراة في السويد، وأنّ «الحرق يمكن أن يضر بالعلاقات بين البلدين»، فيما أعلنت الخارجية الإسرائيلية عن «نشاط دبلوماسي كبير» لمنع وقوع حادثة حرق التوراة.

اتخذت إسرائيل خطوات استباقية للحؤول دون وقوع الأمر؛ فكان من نتيجة ذلك تراجع الشرطة السويدية عن «سماحها» بتنظيم المظاهرة أمام السفارة الإسرائيلية في استوكهولم التي كان مزمعًا أن تجري فيها حادثة الحرق؛ ولم تكتف بهذا التراجع بل انبرت المتحدثة باسم الشرطة السويدية للتوضيح لوكالة «فرانس برس»؛ أنّ الشرطة «لا تصدر تصاريح بحرق نصوص دينية ، وإنما تصدر تصاريح لعقد اجتماعات عامة والتعبير عن الآراء، وهذا فرق مهم».

ولم يكن تحرك الخارجية الإسرائيلية هو الوحيد، فقد استبق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو خطوة السلطات السويدية بتلبية طلب التجمع بأن أدانه بشدة، فيما وجّه الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ انتقادات حادة، لهذه الخطوة، ووصفها بأنها «تحريض على الكراهية.. وليست إبداء لحرية التعبير».

وإن كانت السويد قد استجابت للضغوطات الإسرائيلية، إلا أنها أثبتت أنها تتعامل بالازدواجية؛ ففي الوقت الذي تدعي فيه أنها تسمح بحرية التعبير لكلّ من يريد أن يعبّر عن رأيه، حتى لو كان الأمر يتعلق بحرق كتاب مقدس، ولكن عندما يكون هذا الكتاب هو التوراة تختفي حرية التعبير، وينبغي أن أوضح أولًا أننا لسنا مع حرق أيّ كتاب مقدس، بل لسنا مع حرق أيّ كتاب كان؛ لكن المقارنة بين الموقف الإسرائيلي من حرق نسخة من التوراة، والمواقف العربية والإسلامية من حرق القرآن الكريم – الذي حصل فعلاً في السويد، وبعد ذلك في الدنمارك – يدل بوضوح على مكانة الطرفين في العالم؛ إذ أنّ القوة تفرض نفسها، وتهاب الدولُ دائمًا الطرف القوي في المعادلة؛ ومن هنا نتعامل مع نجاح الكيان في تحذير السويد من مغبة حرق التوراة، ونُرجِع ذلك إلى قوة إسرائيل وتأثيرها وقدرتها على التحرك السريع لوقف أيّ خطوة تعتبرها «عدوانية»، في وقت يغيب فيه التحرك العربي الإسلامي الرسمي، ويُترَك الأمر للعواطف أن تشتعل في قلوب الجماهير، ولعل في ذلك خدمة للأنظمة؛ إذ يجد الناس ما يشغلهم عن الهموم الوطنية اليومية، كالمعاش والفقر والبطالة والفساد، والمطالبة بحياة أفضل وغيرها من الأمور. ولنا أن نتخيل لو كان العرب والمسلمون من القوة بمكان، هل كانت السلطات الغربية – عامة – تتجرأ على الإساءة للمسلمين، وللنبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم، وللقرآن الكريم، مثلما يحدث دائمًا ؟!.

أصبح معلومًا اليوم أنّ نفسية العرب والمسلمين هشّة، تعتمد فقط على العاطفة؛ فمع كلّ حدث يهان فيه الإسلام ونبيّه عليه الصلاة والسلام وكتاب المسلمين، تنطلق دعوات عاطفية علنًا هنا وهناك، تطالب بمقاطعة الدولة الفلانية أو الشركة الفلانية، ثم تخرج بيانات غير موثقة عن خسائر تلك الدول، ثم يعود كلّ شيء إلى ما كان عليه، ولكن النقاش الجاد عن الاستغناء عن تلك الدول وما تصدّره لنا، والتوجه إلى الإنتاج الصناعي والزراعي والعمل على الاكتفاء الذاتي، والاهتمام بالعلم، لا أحد يتطرق إليه أبدًا، وكأننا رضينا أن نكون مجرد مستهلكين فقط، نعيش تحت رحمة ما يحلو لكثير منا تسميتها «الدول الكافرة»، التي سخرّها الله لنا، كوننا «مسلمين أو مؤمنين» فقط، حسب شهادات الميلاد.

وإذا كنتُ أرى أنّ الشعوب العربية عاطفية – كما ذكرتُ غير مرة – إلا أنّ الكاتب محمد هنيد يرى أنّ «مقولة الشعوب العاطفية تصنيفٌ خارجي، يحدّد أصنافًا من الشعوب باعتبارها أقرب إلى العاطفة في سلوكها وردود أفعالها وحتى في وعيها الباطن أو السطحي، وهو ضمنيّا يصنّف شعوبًا أخرى باعتبارها شعوبًا عقلانية أقلّ عاطفية، تعتمد على المنطق وعلى الأحكام الموضوعية في سلوكاتها اليومية، وفي بناء شخصيتها وتحديد ردود فعلها»، ولكنه مع ذلك يذكر في مقال كتبه لموقع «عربي21» : «لا يمكن بأيّ حال من الأحوال إقصاء البُعد النفسي الوجداني أو العاطفي من ثورات «الربيع العربي» سواء تعلّق ذلك بالفرد أو بالجماعة»، ويصل إلى أنّ «الشعوب العربية تعيش اليوم منعرجًا حاسمًا على مستوى وعيها بنفسها وبمحيطها، وهو الوعي القادر على إحداث تغيير جذري في واقعها بشكل لا يجعل منها شعوبًا عاطفية أو عقلانية؛ بل شعوبًا مدركة واعية، مهما كانت طبيعة المدخل إلى هذا الوعي السليم: العاطفة أو العقل أو كلاهما».

وإذا ما غضضنا النظر عن الجانب العاطفي في الشعوب العربية وتفاؤل الكاتب محمد هنيد، وعُدنا إلى الاحتجاجات العربية والإسلامية، فقد كانت هناك حركة استدعاء سفراء السويد في أكثر من بلد – وهي ظاهرة جيدة – كما أنّ بيانات رسمية صدرت في أكثر من عاصمة تندد بحرق القرآن الكريم، وكانت بيانات أقرب إلى أن تكون لذر الرماد في العيون، إلا أنّ تصريح حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، كان الأفضل والأقوى في وصف الحالة العربية والإسلامية، إذ وصف أعضاء منظمة التعاون الإسلامي بأنهم «أموات» جراء «مواقفها الضعيفة» تجاه حوادث حرق المصحف، مشيرًا إلى أنّ هذا «ليس مفاجئًا على الإطلاق»، وقال : إنّ «إعادة الاعتداء على القرآن الكريم من قبل شخص ملعون هو إهانة لمليار مسلم في العالم»، ودعا شباب المسلمين إلى معاقبة من وصفهم بـ«المسيئين» إلى القرآن، قائلاً : «لم يعد هناك أيُّ معنى لتنتظروا أحداً .. لا جامعة عربية.. ولا منظمة تعاون إسلامي، أنتم يجب أن تنصروا مصحفكم ومقدساتكم .. وتعاقبوا هؤلاء المجرمين المسيئين الملعونين أشد العقاب»، وما ذهب إليه حسن نصر الله لمعاقبة المسيئين، هو ما ذهبت إليه أيضًا وزارة الخارجية الروسية، الذي ذكرت في بيان لها أنّ «إفلات المشاركين في هذا الحادث من العقاب، قد يؤدي إلى عواقب كارثية لا يمكن التنبؤ بها، وأنه يجب على المجتمع الدولي مقاومة مثل هذه الأعمال غير القانونية».

وإذا كانت بعض الدول الإسلامية قد عبّرت عن احتجاجها على هذه الحوادث باستدعاء السفير السويدي، وبإصدار بيانات إنشائية لا تسمن ولا تغني من جوع، دون أن يلحق ذلك قرارات حاسمة، فإنّ تصرف الكيان الصهيوني في خطوة استباقية تجاه السويد لمنع حرق التوراة، هو تصرف يُحسب لها، ودلالته أنه يعبّر عن إخلاص قادة الكيان لكتابهم المقدس، فلا مجال للمقارنة بيننا وبينهم، وهذا ما تعلمه جيِّدا السويد وغيرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى