أصداء وآراءبأقلام الكُتّاب

غربة الإيجابيات بين أقلام الكُـتّاب..

سـعـيـد بن سالـم البـادي

 

غربة الإيجابيات بين أقلام الكُـتّاب..

 

في مطلع هذا المقال أتوجه بالشكر لكل الأقلام النيرة التي تشع بالحق، وتتدفق بالإيجابيات، وتثري العقول بكل جديد ومفيد، والتي تساهم في ترسيخ السلوكيات والظواهر الإيجابية المستمدة من مباديء وقيم المجتمع العماني؛ إلا أننا ما زلنا نلاحظ أن طرح السلوكيات الإيجابية مازال غريباً نوعاً ما بين أقلامنا وكتاباتنا اليومية، وهي الأطروحات التي يجب علينا أن نركز عليها بصورة جدية أكبر مما نركز عليه في طرح الظواهر والسلوكيات السلبية حين حدوثها، والتي تطالعنا المدونات والمواقع والصحف الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي بصفة عامة يومياً بكثير من الكتابات والمقالات والتغريدات التي تتحدث عن السلوكيات السلبية التي تبدر من البعض في المجتمع؛ سواء كان هذا الفرد مواطن أو مقيم، وقد تنبري الأقلام الأخرى للرد أو التعليق على تلك المقالات برد لكل مقال على ما يقابله، أو يستوجب مساره، أو توجهه من الردود، والأخذ في الإعتبار المحتوى الذي يتضمنه ذلك المقال أو تلك التغريدة، ويظل السجال في الجوانب السلبية فيه، ولا تحيد الأقلام التي تتناول النقاشات والردود بشأن ذلك الموضوع عن جوانبه السلبية؛ بالرغم من أن هؤلاء المدوِّنين أوالكُـتّاب لمثل هذه السلوكيات السلبية يقصدون في الأصل تناولها للتحذير منها، وإيجاد الحلول المناسبة لها.

وقد يكون موضوع السلوك السلبي لا يكاد يبين أو يظهر للآخرين قبل تناوله من قبل المُدوِّن أو الكاتب، والناس لا يفكرون فيه، ولكن بعد الكتابة عنه ونشره في وسائل التواصل الاجتماعي أو الوسيلة التي يختارها الكاتب أو المُدوِّن ينتشر هذا السلوك ويصبح هذا النشر بمكانة الإشهار له، ويسري بين شريحة كبيرة من أفراد المجتمع، وقد يخرج عن مجتمع الكاتب ويتغلغل في عقول القراء بصورة غير طبيعية، ومن خلال تكرار التداول لهذا السلوك بين الأفراد تبدأ شريحة منهم الرغبة في معرفتة والإطلاع على تفاصيله؛ فتبدأ في البحث عن مصدره وتفاصيله، وكيفية تطبيقه، ومعرفة أشخاصه، وقد يتم التواصل معهم ومناقشتهم مما يؤدي إلى اقتناع البعض، وعدم اقتناع البعض الآخر.

وأقرب على ذلك مثالاً وليس حصراً؛ بعض الخطب والمحاضرات التي تلقى في بعض المناسبات عن تعاطي المخدرات، والقصد منها تحذير الشباب من تعاطيها كونها آفة وسلوكاً سلبيَّيْن؛ نجد معد الخطبة يُسهِب في تعريف المخدرات وأنواعها، وكيفية تعاطيها والأدوات اللازمة للتعاطي، والنتائج الأولية للتعاطي والنتائج النهائية لها؛ فهنا الخطبة في ظاهرها المقصود بيان هذه الظاهرة وهذا السلوك، والتحذير منه ومن نتائجه؛ إلا أن محتوى الخطبة لم يقتصر على التحذير من تعاطي المخدرات وبيان الظاهرة أوالآفة؛ بل أعطى درساً مجانياً للعامة عن تعاطي المخدرات، وفتح باباً كان موصَداً لفئة معينة من حيث لا يدري، وقد تبدأ شريحة من الحضور ـ لم تكن تعرف عن هذا المخدر الجديد ـ قد تبدأ التفكير في معرفته والإقتراب منه ومن المتعاطين والمروجين أكثر، وربما وقعوا في شباكهم ونبدأ في دوامة ما كنا نحذرمنه.

وبالمقابل لا نجد من المقالات أو التدوينات المطروحة ما يتناول السلوكيات الإيجابية ويركز عليها ـ إلا القليل ـ، والتي لو تم التركيز عليها وتجاهل بعض السلوكيات والأحداث والظواهر السلبية حتى تموت وتختفي لكان ذلك بمكانة الترويج والتوجيه الذي يفرضه الكُـتّاب والمُدوِّنون لإبراز وترسيخ القيم والسلوكيات الإيجابية التي يجب أن تثار، ويركز عليها بين أفراد المجتمع؛ حرصاً منا عليها من أن يغفل عنها البعض.

فماذا لو بدأنا في التركيز على تناول وطرح المواضيع والسلوكيات الإيجابية ؟، ولا أقصد بذلك تغافل كافة السلوكيات والأحداث السلبية والشاذة عن المعتاد في المجتمع وتجاهل التصدّي لها ولمروجيها وتجاهل الرد عليهم بما يتناسب معهم، وبما يمكن أن يغير فكرهم ومجرى سلوكهم، وإصلاح أضرار سلوكياتهم وأفكارهم التي قد تعد دخيلة على المجتمع
وقيمه.

فيكون الأجدر بالكُـتّاب والمُدوِّنين أن يبدأوا التفكير في توجيه الأقلام للكتابة في السلوكيات والموروثات الإيجابية التي يجب أن تغرس في نفوس الشباب والقراء حتى يشغل الكاتب أو المدوِّن فكر القاريء بالسلوك الإيجابي، ويبدأ كالذي يزرع بذرة صغيرة في مزرعة كبيرة فتثمر هذه البذرة شجرة كبيرة تثمر بذوراً أكثر؛ فهكذا سيساهم الكُـتّاب والمُدوِّنون في بناء الأفكار في عقول القراء والأجيال بما هو إيجابي، ومن ثم الابتعاد عن السلوك السلبي، وبذلك سيوجه الكُـتّاب والمُدوِّنون بكتاباتهم عن القيم والسلوكيات الإيجابية أفراد المجتمع إلى السلوكيات التي يجب أن يتحلى بها مجتمعنا الإيجابي، وسيحافظ على إرثه الأخلاقي الذي يتمتع به؛ سواء كان استقاه من قيمه الدينية وثقافته الإسلامية أو من مجتمعه الذي يعيش في، وما يتفرد به من خصال وقيم يتمتع بها أباؤه وأجداده، وتعلمها من حضوره في المجالس والمناسبات المجتمعية المعروف بها المجتمع العماني؛ فكلما تكرر طرح الموضوع من عدة كُـتّاب ومُدوِّنين سيبدأ أفراد المجتمع بالتفكير فيه بصورة جدية أكثر والتفاعل معه مما يؤدي إلى ممارسته والاعتياد عليه.

وفي نهاية هذا المقال لا أقصد من طرحي هذا أن الكُـتّاب والمُدوِّنين لا يكتبون إلا في الجوانب والمواضيع السلبية التي تطرأ على الساحة بين الفينة والأخرى فحسب؛ فهم محل ثقة وتقدير فيما يطرحونه من مواضيع فكلها تنصب في قوالب طلب الإيجابيات، وتنوير القراء وإثرائهم بالمعلومات القيمة والمفيدة، ولكن ما أقصده أن نركز في كتاباتنا على الإيجابيات الموجودة في مجتمعنا بصورة أكبر حتى تتم المحافظة عليها، وترسيخها في أشخاص المجتمع الأصيل، وتنشأ عليها الأجيال القادمة حينما تجدها أخذت حيزاً أكبر من اهتمام مثقفي وكُـتّاب المجتمع، ولا ننتظر حتى تحدث سلوكيات أو أحداث سلبية فنبدأ بالحديث عنها.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى